عادت رائعة وليام شكسبير "الملك لير" لتضيء خشبة المسرح القومي من جديد، في عرض مهيب أعاد الثقة في قوة المسرح المصري وجاذبيته، بفضل الأداء الأسطوري للفنان الكبير يحيى الفخراني الذي تحدى الزمن وقدم أحد أصعب أدواره بتفان وإخلاص؛ العرض الذي خضره نخبة من النقاد والكتاب والجمهور العاشق للفن، مؤكدين أن المسرح لا يزال قادرًا على خطف الأنظار وتقديم متعة خالصة تمتد لساعات.
المسرح طقس فني متكامل الأركان
قال الكاتب الصحفي والناقد مصطفى عبدالله، رئيس تحرير أخبار الأدب الأسبق، إن مشاهدته للعروض المسرحية تعد من الأمور الأساسية بالنسبة له، خاصة أنه أحد المتخصصين في المسرح والأدب المسرحي والنقد، ويحمل شهادة متخصصة في هذا المجال منذ إلتحاقه بأكاديمية الفنون المصرية.

وأضاف رئيس تحرير أخبار الأدب الأسبق، في تصريحات خاصة لـ" مصر تايمز" أن مشاهدة المسرح ضرورة لأي مواطن يمتلك الحس الفني أو الرغبة في خوض التجربة المسرحية، حيث يتميز المسرح بالاتصال المباشر بين الخشبة والصالة، وهو ما يجعله مختلفًا تمامًا عن أي عرض سينمائي أو فيديو متكامل، ويخلق حالة من التواصل الحي مع الجمهور، ويجعل الفنان يتقاضى أجره مع كل مشهد ينال استحسان المتفرجين.
وأشار عبدالله إلى أنه يدرك أهمية الجلوس في المقعد الأوسط للصالة المسرحية، وهو ما يعرفه أي مخرج مسرحي أو ناقد حصيف، ليتمكن من ملاحظة الحركة المسرحية على الخشبة واكتشاف أي عيوب إخراجية، وكذلك متابعة عناصر المسرح الأخرى مثل الإضاءة والصوت والمؤثرات والحركة المسرحية.
وقال إن الحديث عن شكسبير، وبالأخص رائعته "الملك لير"، التي كُتبت في العصر "الإليزابيثي"، يعيد التأكيد على خلود الفن وقدرته على عبور الزمن، حيث لا تزال هذه المسرحية تلقى تصفيقًا وتماهيًا من الجمهور، ويمتد الستار مفتوحًا لأكثر من عشر دقائق لتحية الممثلين، وهو دليل على أن الفن الحقيقي يظل خالدًا طالما وُجد جمهور يتذوقه.
وأشاد الكاتب الصحفي مصطفى عبدالله بدور الفنان الكبير يحيى الفخراني الذي قدّم ثلاثة عروض لهذه المسرحية على مدار تاريخه، مؤكدًا أن إصراره على تقديم هذا النص الصعب رغم تقدم العمر يعكس إخلاصه للفن.

وتابع أن هذا العرض المسرحي الذي شاهده مؤخرًا يؤكد أن المسرح لم يمت كما يعتقد البعض، فالمسرح طقس فني لصيق بالحياة الإنسانية في كل زمان ومكان، وفكرة أن الفيديوهات أو الديجيتال قد قضت عليه غير صحيحة، وكذلك القول بأن الضائقة الاقتصادية تمنع الجمهور من الذهاب إلى المسرح، لأن هناك جمهورًا من البسطاء تفاعلوا مع العرض وخرجوا بعد منتصف الليل يناقشونه في المقاهي.
كما أكد إلى أن نجاح أي عمل مسرحي مرتبط بتوافر الجهد في تقديمه للجمهور، مؤكدًا أن الحضور الجماهيري لعروض "الملك لير" هذا العام دليل على نجاحها، رغم الصعوبة في الحصول على التذاكر، حيث قال: "أنا لم أذهب مدعوًا، بل اشتريت التذكرة بعد عناء، والمسرح كان ممتلئًا كل ليلة عن آخره".
وأوضح عبدالله أن استخدام المخرج لتقنيات حديثة جدًا جذب انتباه المتفرج وربط النص الكلاسيكي بعصرنا الحالي 2025، بخلاف العروض القديمة التي قُدِّمت لهذه المسرحية منذ افتتاح المسرح القومي أو في ترجماتها الأولى، مشيدًا بالترجمة الراقية، سواء كانت للدكتور محمد عناني أو لترجمات سابقة، وبأداء الشباب الذين وقفوا أمام الفنان الكبير وتعلموا منه.
قيمة المسرح المصري
قال الكاتب الصحفي والروائي ناصر عراق، إن ما شاهدته مؤخرًا مسرحية (الملك لير) لوليم شكسبير على خشبة المسرح القومي، وكان هدفي الأهم أن أري أبنائي، وفي مقدمتهم ابني المهندس عمر، قيمة المسرح المصري وبهاءه؛ فرغم صعوبة حجز التذاكر إلكترونيًا، حالفني التوفيق واقتنصتها بصعوبة، وجئت مبكرًا قبل العرض بساعة كاملة أتأمل عراقة هذا الصرح العتيد الذي تأسس قبل أكثر من قرن.

وأضاف عراق في تصريحات خاصة لـ" مصر تايمز"، أن ما أسعدني أن أرى المسرح كامل العدد، والجمهور يغلب عليه الشباب من الجنسين، يتابعون بشغف واحترام، حتى اللغة الفصحى لم تنفرهم، بل تفاعلوا مع النص ومع النجم الكبير يحيى الفخراني، الذي استقبلوه بحفاوة وتصفيق شديدين، لقد كان أداؤه ساحرًا رغم تقدمه في السن، ونال التقدير المستحق في كل مشهد، ومعه طارق دسوقي وبقية أبطال العمل الجادين.
وأكد أن العرض جاء متكاملًا من ديكور متنوع يغير بسلاسة مذهلة، معارك بالسيوف نفذت باحتراف شديد، إيقاع مضبوط لم يسقط في الترهل ولا في العجلة، فانتقلت الأحداث بسلاسة إلى عقول ووجدان الجمهور على مدار نحو ثلاث ساعات من المتعة المسرحية الخالصة.
وأشار ناصر عراق إلى أن المسرح ليس مجرد ترفيه، بل يبني الإنسان ويصقل شخصيته ويبعده عن الانحراف والجريمة، موضحًا أنه أراد من هذه التجربة أن يعلّم أبناءه أن الفن الراقي يمكن أن يكون أداة للتربية والتهذيب، خاصة وأن جيلهم اعتاد على السينما والتلفزيون.
وأوضح أن الملك لير لم يكن مجرد عرض ناجح، بل رسالة أمل أن المسرح المصري سيظل مضاءً ومفتوح الأبواب، يقدم أعمالًا عظيمة للعالم العربي عامًا بعد عام؛ لقد أسعدني أن أرى هذا الحضور الكثيف وهذا الشغف، حتى إن بعض الراغبين في الحضور لم يتمكنوا من الحصول على تذاكر لنفادها سريعًا.
المسرح المصري سيظل مفتوح الأبواب عامًا بعد عام
وقال الروائي العراقي الكبير حنون مجيد، الذي تجاوز الرابعة والثمانين من عمره، إنه حرص رغم حالته الصحية المتراجعة على حضور العرض المسرحي الذي قدم على مسرح الأزبكية، مشيرًا إلى أنه واجه صعوبة في الوصول بسبب الازدحام وانتشار الباعة الجائلين.

وأضاف الروائي العراقي في تصريحات خاصة لـ" مصر تايمز" أنه ما إن دخل المسرح حتى شعر بعظمة مصر وفنها، واستحضر في ذهنه أسماء كبار الفنانين العرب الذين صنعوا مجدهم فيها، وجلست أتابع العرض وكأنني في صلاة، لما لمسته من أداء رفيع واحترام للفن يليق بتاريخ المسرح المصري.
وأكد أن الفنان الكبير يحيى الفخراني، رغم تقدمه في السن ومعاناته الصحية، أبدع في أداء دوره، وأوصل رسائل شكسبير العميقة حول بر الأبناء بآبائهم، وتجسيد معاناة الملك لير مع خيانة أولاده، إضافة إلي أن النصوص التي ألقاها الفخراني تحمل حكمًا ومواعظ تلخص رؤية للحياة، وإن المشهد الأخير مع ابنته كورديليا كان أبلغ دليل على أن الخير لا يزال موجودًا.
واختتم قائلا أن ما أدهشني الستار العتيق للمسرح، وكيف أنه حافظ على رونقه بعد الحريق الذي تعرض له منذ سنوات، وكذلك الحضور الكبير من مختلف الفئات، وغالبيتهم من الشباب الذين تابعوا العرض في صمت وانتباه.
وتأكيدا على نجاح هذا العرض "الملك لير"، أنه لم يقتصر على الجمهور المصري فقط، وإنما جذب اهتمام جمهور عربي واسع، بينما حضرت الناقدة التونسية سعدية بن سالم وصديقتها سهام اللاوي لمتابعته، إلا أن الإقبال الكبير حال دون حصولهما على تذاكر، حيث تباع جميعها إلكترونيًا في غضون نصف ساعة فقط من طرحها، نظرًا لكون العرض يُقدم في أيام محددة من الأسبوع.



إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.