استيقظت الأسواق المالية، صباح اليوم الثلاثاء، على زلزال يتوقع أن تمتد توابعه إلى حركة أسعار العملات الرئيسية والسلع والأصول المهمة، بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إقالة ليزا كوك، عضو مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي، بدعوى تقديمها بيانات مضللة في طلبات قروض الرهن العقاري الخاصة بها.
ووفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال، استند ترامب في قراراه إلى اتهامات سابقة تعود إلى عام 2021، حيث زُعم أن كوك قدمت طلبات لقروض عقارية لمنزلين في ميشيجان وجورجيا، مدعية أن كليهما مسكنها الرئيسي للحصول على شروط أفضل، مما وصفه ترامب عبر منصة تروث سوشيال بـ"الإهمال الجسيم" الذي يشكك في نزاهتها وكفاءتها.
هذه الخطوة، التي تأتي وسط حملته المستمرة للضغط على الاحتياطي الفيدرالي لخفض معدلات الفائدة، أثارت جدلًا واسعًا حول قانونية تدخل الرئيس في استقلالية البنك المركزي، وقد تزامنت إقالة كوك مع تصاعد الخلافات بين ترامب ورئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، الذي رفض مرارًا الانصياع للضغوط السياسية.
وفقًا لرويترز، طالب ترامب علنًا بإقالة باول، متهمًا إياه بعرقلة النمو الاقتصادي بسبب التمسك بمعدلات فائدة مرتفعة من شأنها أن تعرقل أهداف ترامب الاقتصادية.
وأشارت قناة فوكس نيوز إلى أن إقالة كوك قد تكون جزءًا من استراتيجية لإعادة تشكيل مجلس المحافظين بأعضاء يدعمون رؤية ترامب لتخفيف التشديد الراهن بالسياسة النقدية، مما أثار مخاوف من تقويض استقلالية البنك المركزي الأمريكي.
وفقًا لصحيفة الجارديان البريطانية، يعكس هذا التصعيد نمطًا سابقًا لترامب خلال فترته الأولى (2017-2021)، حيث وصف باول بـ"العدو" لرفضه خفض الفائدة بسرعة في ضوء قراءات المؤشرات الاقتصادية ذات الصلة بسوق العمل والتضخم، لكن إقالة كوك تمثل سابقة خطيرة كأول محاولة مباشرة لإزالة محافظ بسبب خلافات سياسية.
وقد أثار قرار الإقالة جدلًا قانونيًا وسياسيًا حادًا. وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز، رفضت كوك قرار الإقالة، مؤكدة أنه "غير قانوني" لأن الرئيس لا يملك صلاحية إقالة أعضاء مجلس المحافظين، الذين يُعينون لمدة 14 عامًا لضمان استقلالهم. ويتوقع خبراء قانونيون معركة قضائية طويلة، خاصة أن كوك أعلنت استمرارها في مهامها.
من جهة أخرى، أشار تقرير بلومبرج إلى أن إقالة كوك تفتح مقعدًا في المجلس، مما يتيح لترامب تعيين حليف يدعم سياسته، لكنها قد تزعزع الثقة في الاحتياطي الفيدرالي وتتسبب في تقلبات بالأسواق العالمية. وفقًا لمعهد بروكينجز، على الرغم من أن الضغط الرئاسي على البنك المركزي ليس جديدًا – كما فعل ريتشارد نيكسون مع آرثر بورنز في السبعينيات أو ليندون جونسون مع وليام مارتن – فإن محاولة ترامب طرد محافظ بشكل مباشر تمثل تصعيدًا غير مسبوق في التاريخ الأمريكي المعاصر، مما يميزها عن حالات الضغط التقليدية التي اقتصرت على الانتقادات أو التأثير غير المباشر.
هل يمثل هذا القرار حالة ضغط فريدة؟
وفقًا لتحليل فورين بوليسي، فإن إقالة كوك ليست فريدة تمامًا في سياق الضغط الرئاسي التاريخي، لكنها استثنائية في التدخل المباشر بطرد عضو مجلس المحافظين، وهو ما لم يحدث منذ إنشاء الاحتياطي الفيدرالي في 1913.
ويشير تقرير فاينانشال تايمز إلى أن ترامب، من خلال هذه الخطوة، يسعى لفرض سيطرة غير مسبوقة على السياسة النقدية، مستغلًا اتهامات الاحتيال كذريعة لتحقيق أهدافه الاقتصادية كما كال الاتهامات لرئيس مجلس المحافظين جيروم بأول بالاستناد إلى مزاعم الإنفاق ببزخ على تحجديدات مقر الاحتياطي الفيدرالي.
ومع ذلك، يحذر الخبراء من أن هذه الإقالة قد تعزز عدم الاستقرار الاقتصادي، خاصة إذا أدت إلى تصعيد قانوني أو فقدان ثقة المستثمرين. ويخشى المحللون من أن تؤدي هذه الخطوة إلى زلزال بأسواق المال وتعميق الانقسامات حول استقلالية الاحتياطي الفيدرالي ومن ثم التأثير على الاقتصاد الأمريكي وبدون شك العالمي.