
صرح تعليمي رائد يعد واحدًا من أهم مراكز الفكر الإداري والبحث العلمي في مصر والعالم العربي، فمنذ تأسيسها عام 1981، لعبت أكاديمية السادات للعلوم الإدارية دورًا محوريًا في إعداد وتأهيل الكوادر الإدارية على أعلى مستوى، لتلبي احتياجات سوق العمل المتغيرة وتساهم في مسيرة التنمية المستدامة، ومن أجل ذلك حرصت "البوابة نيوز"، على أن تتعمق في استكشاف رؤية الأكاديمية وخططها المستقبلية، للتعرف على أحدث البرامج الأكاديمية والتدريبية التي تقدمها، بالإضافة إلى جهودها المستمرة في تطوير البحث العلمي، ولتسليط الضوء على شراكاتها الإستراتيجية وخدماتها المجتمعية التي تعزز دورها كشريك أساسي في بناء القدرات الإدارية في القطاعين العام والخاص؛ حيث التقت "البوابة نيوز" الدكتور محمد صالح هاشم حماد، والذي يعد قامة أكاديمية بارزة في مجال الإدارة والمحاسبة بمصر، والذي يشغل حاليًا منصب رئيس أكاديمية السادات للعلوم الإدارية، وتترجم مسيرته المهنية الطويلة خبرة واسعة، فهو حاصل على درجة الدكتوراه في فلسفة المحاسبة عام 2001، كما نال درجة الأستاذية في المحاسبة والمراجعة، وبدأ رحلته الأكاديمية في عام 1994، وتدرج في المناصب حتى وصل إلى منصب عميد كلية العلوم الإدارية في عام 2020، بالإضافة إلى شغله منصب نائب رئيس الأكاديمية لشؤون التدريب والاستشارات، وللدكتور هاشم إسهامات علمية عديدة منشورة في كبرى المجلات العلمية المصرية والعربية، مما يؤكد دوره الريادي في إثراء البحث العلمي في تخصصه.
وإلى نص الحوار..
- ماذا عن نشأة وتأسيس أكاديمية السادات للعلوم الإدارية
لم تولد أكاديمية السادات للعلوم الإدارية من فراغ، بل هي نتاج رحلة طويلة من التطور شهدتها مؤسسات إدارية سابقة، بدأت المسيرة في عام 1954 بإنشاء معهد الإدارة العامة، الذي تطور لاحقاً إلى المعهد القومي للإدارة العليا، وفي عام 1967، ظهر معهد الإدارة المحلية، ليتم دمجهما معاً في عام 1971 تحت مسمى المعهد القومي للتنمية الإدارية، وتعد لحظة التحول الكبرى في تاريخ الأكاديمية هي صدور القرار الجمهوري رقم 127 لعام 1981، الذي أنشأ أكاديمية السادات للعلوم الإدارية بشكلها الحالي، وبموجب هذا القرار، تم تأسيس كلية الإدارة التي تمنح درجة البكالوريوس، والتي تم معادلتها من قبل المجلس الأعلى للجامعات، ثم صدر قرار جمهوري آخر في عام 1982، وضع اللائحة التنفيذية للأكاديمية، لتستوعب المعهد القومي للإدارة العليا وتضم إليه اختصاصات ودرجات علمية جديدة، وتماشياً مع التطورات الإدارية، صدر القرار الجمهوري رقم 30 لسنة 2004، الذي أعاد تنظيم الأكاديمية، لتصبح هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، تتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة، وبذلك أصبحت الأكاديمية مؤسسة علمية تخضع لأحكام قانون تنظيم الجامعات، مما يمنحها صلاحيات الجامعات في مختلف شؤونها، ويضمن استمراريتها كصرح أكاديمي رائد، وتتكون الهيئة الإدارية للأكاديمية من مجلس أمناء ومجلس علمي، بالإضافة إلى رئيس الأكاديمية ونوابه، وإدارة للشؤون القانونية، ومركز للمعلومات لدعم اتخاذ القرار.
- ما هي أبرز الأهداف الاستراتيجية التي تسعون لتحقيقها في أكاديمية السادات، وكيف تخططون لتنفيذها لتعزيز مكانة الأكاديمية ودورها في التنمية الإدارية في مصر؟
تتمحور أهدافنا الاستراتيجية حول عدة محاور رئيسية، في مقدمتها التطوير المستدام للتعليم الإداري، حيث نعمل على مواكبة أحدث التطورات العالمية في هذا المجال ودمجها مع العلوم الأخرى لتقديم تعليم متكامل، ونسعى كذلك لتعزيز مكانة الأكاديمية وسمعتها على الصعيدين المحلي والدولي كمنظمة رائدة ومتميزة، ومن أهم أهدافنا المستقبلية هو التحول الكامل إلى منظمة إلكترونية، مما سيمكننا من تقديم خدماتنا بشكل أكثر كفاءة ومرونة، تماشياً مع خطط الدولة للتحول الرقمي.

وماذا عن الشراكات مع المنظمات المحلية والدولية لتبادل الخبرات؟
نولي أهمية قصوى لرفع كفاءة الجهاز الإداري الحكومي وقطاع الأعمال من خلال برامج تدريبية متخصصة، تركز على أحدث أساليب الإدارة ومكافحة الفساد المالي والإداري والأخلاقي، ولن تقتصر جهودنا على التعليم والتدريب فقط، بل تشمل أيضاً تطوير البحث العلمي، حيث نعمل على تحويل مجلة الأكاديمية العلمية إلى مجلة إقليمية رائدة، فضلاً عن تقديم الاستشارات والبحوث التطبيقية للجهات الحكومية والخاصة، ولتعزيز كل هذه الأهداف، نبني شبكة واسعة من العلاقات والشراكات مع المنظمات المحلية والدولية لتبادل الخبرات وتوسيع نطاق تأثير الأكاديمية.
- في ظل سعي أكاديمية السادات للعلوم الإدارية لأن تكون جامعة حكومية مستقلة ورائدة، كيف تترجمون هذه الرؤية على أرض الواقع؟
تسعى أكاديمية السادات للعلوم الإدارية كجامعة حكومية مستقلة رائدة تعليميًا وتدريبيًا من خلال كلٍ من التطوير الإدارى وحوكمة الأعمال وإعداد قادة التغيير فى كلٍ من القطاع الحكومى وقطاع الأعمال ووحدات الإدارة المحلية ومنظمات المجتمع المدنى داخل وخارج مصر إلى إحداث التنمية الشاملة للمجتمع فى مجالات التعليم الجامعى والدراسات العليا والبحوث والاستشارات والتدريب، ونحن ملتزمون بالمعايير الأخلاقية والمهنية ومعايير الجودة الشاملة ومواكبة التغيرات المحلية والدولية، وبناء القدرة المؤسسية المرتكزة على تكنولوجيا المعلومات، وأن الدولة المصرية في أمس الحاجة لأن نقوم بإعداد قادة في مجال الإدارة وبالتي نقوم بهذا الدور بقناعة مطلقة.

- في ظل التطور المتسارع للذكاء الاصطناعي، ما هي رؤيتكم للمستقبل المهني لخريجي إدارة الأعمال؟ وهل مناهج الأكاديمية مستعدة لهذه الثورة؟
كل أدوات التحول الرقمي والتي تصل من 30 لـ 50 أداة ومن بينها الذكاء الاصطناعي هو تطور مهم جدًا، وأن أكاديمية السادات للعوم الإدارية كانت سباقة كمؤسسة حكومية مصرية رائدة في هذا المجال، وأن هناك قيادات في أماكن سيادية أخذت دورات تدريبية في مركز التدريب برمسيس في بداية الثمانينات، والأكاديمية منحت درجات الماجستير والدكتوراه في نظم المعلومات والحاسب الآلي منذ عام 1981م، ومع التطورات الحديثة تم إضافة كلية الحاسبات والمعلومات تضم كافة التخصصات الحديثة، وهو تحول مهم وكبير، وفي مرحلة البكالوريوس كنا سباقين في إدخال تخصص نظم معلومات الأعمال باللغتين العربية والإنجليزية للجامعات المصرية، وأن طلاب ذلك التخصص يجدون مستقبل واعد بسبب هذا التخصص.
- ما هو أصعب قرار إداري اتخذته منذ توليك المنصب؟
القرارات الإدارية تتوقف على القدرة على الممارسة والخبرة وهي نوعان قرارات نموذجية أو مهيكلة وهي متكررة وهناك قرارات غير متكررة، ولدينا بيوت خبرة ومستشارين، وفي ضوء الخبرة نتخذ قرارات منضبطة تصب فى النهاية في مصلحة الدولة المصرية بسبب الأليات التى نضعها، وأي قرار من شأنه إضافة للأكاديمية أو للدولة المصرية نتخذه فوراً بكل بمنتهي الثقة والجدية، ومن بين القرارات التي اتخذناها، تعيين معاونين لكل عميد ووكيل ومدير فرع وكل قيادة داخل الأكاديمية والهدف من ذلك القرار وجود صف ثاني وثالث من القيادات داخل الاكاديمية، وكان لذلك التجربة ثمارها القوية، والتي أسفرت عن وجود مجموعة من الشباب والكوادر والقيادات المؤهلة القادرة علي القيادة في المستقبل بكل ثقة وثبات، وهو ما يحمي الأكاديمية من التجريف ويخلق تواصل ما بين الأجيال.

- كيف يمكن لأكاديمية السادات أن تساهم في حل المشاكل الإدارية التي تواجهها مصر، مثل البيروقراطية أو نقص الكفاءات في بعض القطاعات؟
لا توجد مؤسسة منفردة قادرة علي حل المشكلات، ونحن نساهم مع كافة الجهات المعنية بعقد مؤتمرات وندوات وورش عمل ولدينا مركز تدريب عمل بكافة محافظات الجمهورية بهدف إعداد كوادر قيادية ويُعد من أعرق مراكز التدريب على مستوى جمهورية مصر العربية، ويمتلك إمكانيات مادية وبشرية متميزة ونادرة ولديه خبرات عالية، ويضم نخبة متميزة من المدربين من ذوي الخبرة والكفاءة في تدريس هذه الدورات، كما يتمتع المركز بإبرام العديد من الاتفاقيات مع العديد من الوزارات والنقابات والجهات السيادية في كافة أرجاء الجمهورية منها على سبيل المثال نادى قضاة مصر ونادى قضاة المنصورة وهيئة النيابة الإدارية والنيابة العامة ووزارة المالية ووزارة الكهرباء.. الخ، ونمتلك برامج لا توجد بأي جامعة مصرية عملنا عليها لسنوات طويلة، منها إعداد قادة المستقبل، وإعداد القيادات المحلية، وإعداد قادة مكافحة الفساد، وإعداد قيادات التخطيط الإستراتيجي، وغيرها من البرامج التي تهدف لإعداد ظهير قوي للدولة المصرية، ليكون قادر علي تحقيق دور قوي على أرض الواقع، ونفتخر بوجود قيادات تخرجت من داخل الأكاديمة منهم عدد في مجلسي النواب والشيوخ ومساعدين وزراء ومحافظين ونواب محافظين وهو جزء من رؤية ورسالة الأكاديمية لإعداد قيادات ورصيد للدولة المصرية.
- هناك عجز في أعضاء هيئة التدريس بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية ماذا عن ذلك وما هي الخطوات التي تتخذها الإدارة لمعالجة هذه المشكلة؟
تواجه الأكاديمية حاليًا مشكلة كبيرة تتمثل في نقص أعضاء هيئة التدريس، وهي مشكلة تفاقمت مع التوسع الكبير في عدد الفروع والطلاب، سواء كانوا مصريين أو أجانب، ولم يقتصر التوسع على ذلك، بل شمل أيضاً إضافة برامج جديدة وحيوية مثل الإدارة الرياضية، وإدارة المستشفيات، وإدارة التأمين الطبي، مما زاد من الحاجة إلى كوادر تعليمية مؤهلة، وفي مواجهة هذا العجز، قامت الأقسام العلمية ومجالس الكليات بوضع خطة خمسية شاملة، وقد حظيت هذه الخطة بموافقة الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، ومجلس الأكاديمية، تم رفع الخطة إلى الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة على أمل أن تتم الموافقة عليها قريباً لحل هذه الأزمة التي تؤثر بشكل مباشر على سير العمل الأكاديمي، وأن المشكلة لا تقتصر على نقص أعضاء هيئة التدريس فقط، بل تمتد لتشمل المعيدين الذين يتحملون أعباءً هائلة، خلال فترة الامتحانات، حيث يضطر المعيد الواحد للإشراف على ما يصل إلى 50 فترة مراقبة وهو جهد يفوق قدرة البشر، وأن هذا الضغط الكبير يعود إلى نظام الساعات المعتمدة المتبع في الأكاديمية، والذي يتضمن أنواعاً متعددة من الاختبارات على مدار العام، بما في ذلك اختبارات القبول، واختبارات نهاية الفصل، والاختبار الشامل للدكتوراه مرتين سنوياً، وكل هذه الامتحانات تحتاج إلى متابعة دقيقة وتدقيق، مما يشكل عبئاً كبيراً على الهيئة المعاونة.
ومن هذا المنطلق، توجه الأكاديمية نداءً عاجلاً للمهندس حاتم نبيل، رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، للموافقة على خطة التعيينات المقترحة، لسد العجز في عدد أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة، مما يمكن الأكاديمية من الاستمرار في دورها الحيوي كداعم للدولة المصرية ورؤية مصر 2030، وهذه الرؤية التي يقودها الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي يعمل بجد لتجهيز جيل جديد من الشباب القادر على القيادة، وهو ما يتطلب توفير كوادر تعليمية عالية الكفاءة، وتأمل الأكاديمية أن ترى خطتها النور قريباً، خاصة بعد أن ظلت قيد الدراسة في الجهاز لشهور، وذلك للاستعانة بكفاءات جديدة تلبي احتياجاتها المستقبلية وتساهم في تعظيم موارد الدولة.

- إذا أتيحت لك فرصة لتغيير شيء واحد فقط في منظومة التعليم الإداري في مصر، فماذا سيكون؟ ولماذا؟
إذا أتيحت لي فرصة واحدة لتغيير شيء في منظومة التعليم الإداري بمصر، فسأركز على إلزام كل مسؤول إداري بتعيين وتدريب مساعدين مؤهلين، والهدف من هذا التغيير ليس مجرد إضافة مناصب، بل هو بناء قيادات صف ثانٍ وثالث قادرة على تولي المسؤولية فورًا عند الحاجة، فالمشكلة الحالية هي "تجريف المناصب الإدارية"، حيث يترك المدير منصبه فتنهار المنظومة الإدارية بالكامل، سواء في مستشفى أو مدرسة أو شركة، وهذا يرجع إلى غياب الكوادر المؤهلة القادرة على سد الفراغ والاستمرار في الأداء بكفاءة، وإن وجود قيادات قوية في جميع القطاعات يعزز الأمن القومي للدولة المصرية ويضمن استمرارية العمل وتحقيق الأهداف على المدى الطويل، كما أن هذه الفكرة ليست جديدة تمامًا، فقمت منذ أكثر من 10 سنوات بطرح اقتراحات ظهرت للنور مثل استحداث مناصب "معاون المحافظ" و"مساعد المحافظ" و"معاون الوزير" و"مساعد الوزير"، وهو ما يؤكد أهمية وضرورة هذا التوجه، وخصوصًا أن هذا التغيير سيخلق نظامًا مستدامًا لا يعتمد على الأفراد، بل على منظومة من القيادات الشابة المدربة التي يمكنها تحمل المسؤولية بثبات وثقة، مما يضمن مستقبلًا أقوى لمصر.
- ما هي النصيحة الأهم التي تقدمها لجيل الشباب الذي يحلم بتولي مناصب قيادية في المستقبل؟ وما هي رسالتكم للرئيس؟
الدولة المصرية اليوم تولي اهتمامًا كبيرًا بتمكين الشباب وإعطائهم الفرصة لتولي مناصب قيادية، وهذا الأمر أصبح واضحًا من خلال وجود أعداد غير مسبوقة من الشباب في مجالس النواب والشيوخ ومناصب نواب المحافظين، وهي ظاهرة فريدة في تاريخ مصر الحديث، وهذه الفرص لم تأت من فراغ، بل هي نتاج جهود مستمرة من القيادة السياسية التي حرصت على لقاء الشباب والاستماع إليهم عبر مؤتمرات الشباب منذ عام 2015، بهدف إعداد جيل جديد من القادة، ورسالتي للشباب اللذين يحلمون بدور قيادي في المستقبل، الطريق أمامك مفتوح، ولكن يتطلب منك العمل بجد واجتهاد، استثمر في نفسك، وطور مهاراتك، وكن مستعدًا للمسؤولية، فالدولة تحتاج إلى شباب قادر على مواجهة التحديات وترك بصمة تليق بمصر، ورسالتي للرئيس: نقدر جهودكم المبذولة لإعادة مصر إلى مكانتها الطبيعية، إقليميًا وعالميًا، فالبلاد شهدت تحديات جمة منذ عام 2011، وتمكنتم من استعادة الاستقرار وإعادة الدولة المصرية إلى شعبها، وأن وتيرة العمل السريعة على الملفات الحيوية تعكس إصرارًا على إحداث نقلة نوعية في مسار التنمية، ونعاهدكم على أن بذل قصارى جهدنا لمواكبة هذه الخطوات، والعمل الدؤوب لرفعة شأن مصر تحت قيادتكم.




























