في قلب حوض بحيرة تشاد، حيث يلتقي الصيد بالزراعة في مشهد طبيعي غني بالحياة، يعيش السكان اليوم تحت وطأة واقع جديد صنعته الجماعات المسلحة، فقد تحولت تلك المنطقة التابعة لتنظيم داعش (ISWAP) من مجرد قوة عسكرية إلى سلطة اقتصادية وإدارية تفرض الضرائب وتتحكم في تفاصيل الحياة اليومية.
وبينما تتراجع هيبة الحكومات المحلية وتغيب الخدمات الأساسية، رسخت الجماعة نفوذها عبر نظام جباية معقد يشمل الصيادين والمزارعين والتجار، لتبني اقتصادًا موازياً يدر مئات الملايين من الدولارات سنويًا.
هذه السيطرة لا تعكس فقط تحول الحرب إلى اقتصادٍ منظم، بل تكشف عن مأساة إنسانية يعيشها السكان الذين وجدوا أنفسهم أمام الرضوخ لشروط الجماعة أو الهجرة نحو المجهول.
دولة داخل الدولة
ظهور نظام ضريبي متكامل تزعم عقود من الصراع والفوضى أن الجماعات المتطرفة لا تملك سوى أدوات القمع، لكن ما تفاجأ به سكان بحيرة تشاد هو تطور ISWAP إلى كيان شبه إداري لديه آلة جباية مركبة.
بحسب تحقيق أجرته وكالة "The New Humanitarian"، تُجبي الجماعة سنويًا حوالي 191 مليون دولار من صيادين ومزارعين وتجار وعمال موسميين، عبر ثلاث فئات أساسية: زكاة (Zakat)، هاراجي (Haraji)، ودرايب (Darayib).
هذا الرقم يفوق بكثير الإيرادات الرسمية لحكومة ولاية بورنو النيجيرية، والتي لم تتجاوز 18.4 مليون دولار في عام 2024 .
تفاصيل الضرائب.. من الحقل إلى المراكب
يفرضون الزكاة على المواشي، و تُطبق على ماشية المزارعين بـنسب تتراوح بين 1% و3.3%.
وتقدر جباياتها السنوية بـحوالي 3.7 ملايين دولار.
لا تُحتجز المواشي فعليًا، بل يُطلب مبلغ نقدي يعادل قيمتها بسعر سوق محدد بدقة.
الهاراجي
وهو أقوى مصدر دخل لـISWAP، ويصل إلى 183 مليون دولار سنويًا .
يتعامل مع الصيادين، تجار، مزارعين المؤقتين في أراضي الجماعة.
فرض رسوم دخول قدرها 13 دولارًا لكل شخص عند نقاط التفتيش.
تُمنح تصاريح رسمية بعد الدفع، مما يحمي الأفراد من المضايقات .
بعد الدخول، تُفرض رسوم استخدام مناطق صيد تراوح بين 13 إلى 196 دولارًا للموسم الواحد (فبراير–يونيو)، وفق حجم المنطقة وطريقة الصيد .
قبل مغادرة المنطقة بنقل الصيد، يُدفع 2.60 دولارًا لكل 100 كيلوغرام من الأسماك .
وفي بعض المواسم، تمكنت الجماعة من جمع حوالي 156,000 دولار من التصاريح وحدها .
الضريبة العامة
فئة أكثر عمومية تشمل رسومًا على التجارة، الزراعة، الفحم، والمواشي.
تُفرض على كل من يسكن في تلك المناطق، بما في ذلك قيادات ISWAP.
وتُقدر الدخل السنوي من هذه الفئة بحوالي 4.8 ملايين دولار .
الجانب الإنساني.. ضحايا الضرائب
وفر النظام الضريبي نقودًا ضخمة لـISWAP، لكن من أبرز نتائج ذلك..
تهجير آلاف الصيادين الذين تجاوزت تكاليف الصيد طاقاتهم، أو فرضت عليهم شروطًا تعجيزية مثل تسليم نسبة من الصيد أو الانضمام للجماعة.