أثارت الهجمات الأمريكية والإسرائيلية على إيران خلال الصراع الأخير تساؤلات حول ما تبقى من برنامج طهران النووي. منذ دخول وقف إطلاق النار الهش، الذي توسطت فيه الولايات المتحدة الأمريكية وقطر، بين إسرائيل وإيران حيز التنفيذ في ٢٤ يونيو لإنهاء الحرب التي استمرت ١٢ يوماً، بدأت تظهر تقييمات متضاربة حول حجم الأضرار. وورد أن تقييماً استخباراتيًا مُسربًا من وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية، خلص إلى أن الهجمات لم تُدمر المكونات الأساسية للبرنامج النووي الإيراني، ومن المرجح أنها أخرت التطوير المحتمل لسلاح نووي لبضعة أشهر فقط.
ويتناقض ذلك مع مزاعم سابقة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذين أشاروا إلى أن الهجمات دمرت المنشآت النووية الإيرانية، ومع ذلك، أصبحت الشكوك حول ما تبقى من البرنامج النووي الإيراني نقطة خلاف في السياسة الأمريكية. وفي طهران، صرّح المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي بأن الهجمات الأمريكية والإسرائيلية لم تحقق أي إنجازات، وصرح وزير الخارجية عباس عراقجي للتلفزيون الرسمي الإيراني بأن طهران تكبدت أضراراً جسيمة وخطيرة. وفي حين تُقر كل من واشنطن وطهران بتضرر المواقع النووية الإيرانية، إلا أنهما تختلفان في مدى الضرر، وهو تقييم يُنظر إليه على أنه أساسي لفهم الاتجاه المستقبلي للبرنامج النووي الإيراني.
أولاً: خلفية التصعيد فى البرنامج النووى الإيرانى
شكلت الحرب الإسرائيلية الأمريكية تصعيدًا حادًا في نزاعٍ استمر عقودًا حول البرنامج النووي الإيراني. فمنذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي لعام ٢٠١٥ في عام ٢٠١٨، يُزعم أن إيران وسّعت برنامجها النووي، منتهكةً بذلك حدود التخصيب والمخزون. مع ذلك، تنفي طهران سعيها لامتلاك أسلحة نووية، مُصرّةً على أن برنامجها مدني وسلمي. وركّزت التقييمات الأولية للضربات الأمريكية والإسرائيلية بشكل أساسي على مواقع تخصيب اليورانيوم الإيرانية في فوردو ونطنز، ومنشأة تحويل اليورانيوم في أصفهان. ويبدو أن النتائج تستند إلى صور الأقمار الصناعية وتقارير استخباراتية، حيث خلصت إلى أن هذه المواقع تعرّضت لأضرار جسيمة جراء ضربات عسكرية دقيقة، ما أدى إلى تعطيل عمليات التخصيب والمعالجة بشكل كبير.
ومع ذلك، لا يزال حجم الأضرار الدقيقة داخل هذه المواقع غير واضح في غياب التقييم الإيراني، الذي لم يُقدّم بعد. وصرح مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل روفائيل غروسي، بأن الضربات الأمريكية والإسرائيلية ألحقت أضرارًا جسيمة بالمنشآت النووية الإيرانية، وإن لم تكن كاملة، وأن إيران قد تستأنف تخصيب اليورانيوم في غضون أشهر. وفي الواقع، يُشكّل مصير مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة ٦٠٪، والبالغ ٤٠٨.٦ كيلوجرام، مع تحديد مستويات قريبة من مستوى الأسلحة عند ٩٠٪، شكوكًا أخرى، وتشير بعض التقارير إلى أن إيران ربما تكون قد نقلت اليورانيوم لحمايته من الهجمات.
وكان آخر مرة تم فيها التحقق من اليورانيوم عالي التخصيب في أصفهان قبل الهجمات الإسرائيلية. أن إيران أرسلت مذكرة إلى الوكالة قبل ثلاثة أسابيع تُفيد بأنها ستنقل اليورانيوم إلى مواقع مُحصّنة في حال تعرضها لهجوم، لكنها لم تكشف عن الموقع الجديد. بغض النظر عما إذا كانت منشآتها قد تضررت بشدة أم لا، فمن غير المرجح أن تتخلى إيران عن برنامجها النووي.
يمكن لإيران إعادة بناء أجهزة الطرد المركزي المدمرة بسرعة نسبية، لكن تعويض أي مخزون يورانيوم مفقود سيستغرق وقتًا أطول بكثير. علاوة على ذلك، وعلى الرغم من اغتيال العلماء والغارات الجوية على المنشآت النووية، فمن المرجح أن إيران لا تزال تحتفظ بالمعرفة والقدرة الصناعية لمواصلة برنامجها النووي.
كانت إحدى الخطوات الأولى التي اتخذتها إيران بعد حرب الـ١٢ يومًا مع إسرائيل والولايات المتحدة هي موافقة مجلس صيانة الدستور على مشروع قانون برلماني لتعليق تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولكن ليس إنهائه. كما هددت إيران أيضاً خلال الحرب التي استمرت ١٢ يوماً، بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، لكنها لم تتخذ أي إجراء حتى الآن.
ثانياً: توتر العلاقة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية
لطالما واجهت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة انتقادات داخل إيران، ولا سيما فيما يتعلق بمدير الدولية للطاقة الذرية روفائيل غروسي؛ حيث اعتقدوا أن تقرير الوكالة الصادر في مايو الماضي منح إسرائيل ذريعة لشن هجومها، وخاصة فيما يتعلق بانتهاك التزاماتها بموجب البرنامج النووي، وخاصة فيما يتعلق بالتراكم السريع لليورانيوم عالي التخصيب" لدى إيران باعتبار مصدر قلق.
وبعد بدء الضربات الإسرائيلية، أوضح غروسي أنه لا يوجد دليل على أن إيران تُطوّر سلاحًا نوويًا. وبالنظر إلى أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب ما زال موجوداً، فمن المرجح أن تُجدّد إسرائيل الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية لاتخاذ المزيد من الإجراءات العسكرية، وإن لم يكن ذلك فورًا. ولكن حتى في حال تدميره، فمن المرجح أن تُحوّل إسرائيل تركيزها إلى حثّها على توجيه ضربات إلى برنامج الصواريخ الإيراني أو القدرات العسكرية التقليدية الأوسع لإيران. وفي هذا السياق، يتضح أن مساعي إسرائيل لمواصلة العمل العسكري ضد إيران قد لا تتوقف.
ثالثاً: دبلوماسية أم ردع نووى
لقد صدم الهجوم الأمريكي الإسرائيلي القيادة الإيرانية والرأي العام على حد سواء، مما دفع بعض المتشددين إلى الدعوة إلى تعزيز التسلح النووي، الأمر الذي أوجد توجهاً أقوى لدى بعض الإيرانيين للتحرك في هذا الاتجاه. ومن هذا المنطلق من المتوقع أن يراقب الإسرائيليون والأمريكيون عن كثب ما تفعله إيران في الأشهر المقبلة، وربما حتى السنوات المقبلة، لأن رغبة إيران في تطوير رادع نووي تبدو أقوى بكثير مما كانت عليه في الماضي.
وفي هذا السياق، من المرجح أن يتحول النقاش الداخلي لصالح من يدافعون عن بناء أسلحة نووية بدلاً من استخدام البرنامج كأداة للمساومة، ومع ذلك، لا يزال هناك سبيل لمنع هذه النتيجة، لكن ذلك يتطلب اتفاقاً جديداً من المرجح أن يمنح إيران تخفيفًا أكبر بكثير للعقوبات مقارنةً بالاتفاقات السابقة. فالعودة إلى المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة الأمريكية قد تظل صعبة بالنسبة لطهران، مع تزايد الحذر، نظرا لأنها كانت تتفاوض بالفعل مع واشنطن من خلال الوساطة العمانية عندما شنت إسرائيل هجومها بموافقة أمريكية.
لكن الدبلوماسية مع إيران لا تزال ضرورية، لأن الهجمات العسكرية يبدو أنها لم تُحل الضربات العسكرية القضية النووية مع إيران. ومن المرجح أن جهود قطر والمبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف قد تُمهّد الطريق لاستئناف المحادثات، وقد تعود إيران إلى المفاوضات إذا تضمنت شروط ما بعد الحرب ضمانات أمنية، ومساعدات اقتصادية، ودوراً إقليمياً موسّعاً. ومن المرجح أن تتجاوز أي محادثات جديدة الاتفاقات السابقة، وتعمل على موازنة حقوق إيران في تخصيب اليورانيوم مع الرقابة الغربية.
وفي النهاية: يمكن القول إن عدم اليقين بشأن إمكانية العودة إلى المفاوضات، إلى جانب الحرب الكلامية المستمرة، إلى أن كل من واشنطن وطهران يُعيدان تقييم استراتيجياتهما وتحديد مواقفهما بعد حرب الأيام الاثنى عشر، قبل أن تتخذ الدبلوماسية مسارها.