تفتح أبواب الجحيم.. ولا تعتبر الأبعاد القانونية
في مشهد يعكس تحول الحروب إلى ميادين للتجريب العسكري، شهد قطاع غزة خلال العدوان الإسرائيلي استخدامًا متزايدًا لأنظمة قتالية عن بُعد، أبرزها الروبوتات المفخخة والطائرات المسيّرة المعدّلة. هذه التكنولوجيا التي يفترض أن تُسخر لخدمة الإنسانية، تحولت إلى أدوات للقتل والتدمير، تفتك بالمدنيين وتزيد من حدة المأساة الإنسانية في القطاع المحاصر.

البدايات: مايو 2024 نقطة التحول
حسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، بدأت إسرائيل في مايو 2024 استخدام ما وصف بـ "الروبوتات المفخخة"، وذلك في مخيم جباليا شمال غزة. هذه الروبوتات المجهزة بعبوات متفجرة كانت تُفجّر عن بُعد، مما أدى إلى تدمير منازل وإعاقة عمل سيارات الإسعاف والدفاع المدني.
هذا الاستخدام شكّل سابقة خطيرة، حيث تم إدخال نوع جديد من الأسلحة إلى بيئة حضرية مكتظة بالسكان، في مخالفة واضحة للقانون الدولي الإنساني.
الطائرات المسيّرة المعدلة: من الاستطلاع إلى القصف
لم يتوقف التطوير الإسرائيلي عند الروبوتات البرية، بل امتد إلى الطائرات التجارية المسيّرة. كشفت تحقيقات إعلامية أن الجيش الإسرائيلي قام بتعديل طائرات DJI، التي تُستخدم عادة للتصوير المدني، وتحويلها إلى منصات قصف عبر إضافة قنابل صغيرة.
هذه الطائرات استُخدمت لاستهداف مستشفيات وملاجئ في غزة، ولأغراض الاستطلاع الميداني، بل ووُظفت في ممارسات وُصفت بأنها ترقى لاستخدام المدنيين كـ "دروع بشرية"، إذ كانت الطائرات تحوم فوق مناطق مكتظة لإجبار الناس على الحركة أو الكشف أماكن وجودهم.

Quadcopters.. السلاح الأقرب إلى الضحايا
تقارير حقوقية أخرى أكدت أن الجيش الإسرائيلي وسّع استخدامه لـ الطائرات الرباعية المراوح "quadcopter"، التي تُسقط متفجرات على أهداف مدنية من مسافات قريبة.
حسب تقاريردولية، جرى استخدام هذه الطائرات بشكل منهجي لقتل المدنيين في أماكن مكتظة، وهو ما أدى إلى سقوط ضحايا بينهم أطفال ونساء.

أحدث الاستخدامات: انفجارات ضخمة في مدينة غزة
نقلت وسائل إعلام فلسطينية مؤخرًا أن دوي انفجارات هائلة سُمع في مدينة غزة نتيجة تفجير "روبوتات مفخخة" عن بُعد، في استمرار لنهج الاحتلال بالاعتماد على هذه التقنية القتالية. بالتوازي، شنت المدفعية الإسرائيلية قصفًا مكثفًا على شمال مخيم البريج وسط القطاع، مما يزيد من تعقيد الوضع الإنساني ويفاقم من حجم الدمار.
أبعاد قانونية وأخلاقية
من منظور القانون الدولي، يُعتبر استخدام هذه الأنظمة مثيرًا للجدل، خاصة عندما يُستهدف بها مدنيون أو بنى تحتية أساسية. فالروبوتات المفخخة لا تميز بين الأهداف المدنية والعسكرية في بيئة مكتظة.
ايضًا، الطائرات المعدلة تمثل خرقًا للمعايير الدولية لأنها ليست أسلحة مصممة أصلًا للأغراض العسكرية، كما أنَّ التجريب على المدنيين يطرح تساؤلات أخلاقية عميقة حول تعامل إسرائيل مع قطاع غزة كحقل اختبار لأسلحة جديدة.
من الناحية العسكرية، يعكس هذا التوجه الإسرائيلي رغبة في تقليل الخسائر البشرية داخل صفوف جنوده عبر استبدال الاشتباك المباشر بالتكنولوجيا عن بُعد. لكنه في الوقت نفسه يعكس تصعيدًا خطيرًا في طبيعة الحرب، حيث تتحول التكنولوجيا الحديثة إلى وسيلة لإطالة أمد النزاعات وتعقيد الحلول السياسية.
إدانات أممية.. وتحذيرات لا أصداء لها
أدانت الأمم المتحدة ما وصفته بـ "انتهاك خطير" عقب استخدام الجيش الإسرائيلي روبوتات مسيّرة مفخخة قرب مستشفى كمال عدوان في غزة، وهو ما أدى إلى إصابات بين الطواقم الطبية والمرضى. وطالبت المنظمة الدولية بضرورة احترام المرافق الصحية والإنسانية، ووقف استهدافها تحت أي مبرر.

من جانبه، حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، بما فيها الأساليب القتالية الجديدة، سيؤدي إلى ارتفاع أعداد الضحايا وتفاقم الكارثة الإنسانية. وأكد على ضرورة التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار والسماح بدخول المساعدات الإنسانية دون عوائق.
الحروب الحديثة
إن ما يجري في غزة اليوم يكشف عن وجه آخر للحروب الحديثة: حروب بلا جنود مرئيين، يقودها ذكاء صناعي وأجهزة تحكم عن بُعد، لكن ضحاياها من البشر الحقيقيين، أطفالًا ونساءً وشيوخًا. وبينما تبرر إسرائيل هذه الممارسات بأنها "عمليات روتينية" أو "إجراءات دفاعية"، فإن الحقيقة الصادمة أن غزة تحولت إلى مختبر دموي لتجريب أسلحة المستقبل، على حساب أرواح الأبرياء.
هكذا لعبة العدو باستخدام التكنولوجيا العسكرية، التي تحصد أرواح الأبرياء، في ظل عجز دولي وصمت عالمي، وتحركات إقليمية حثيثة من أجل نيل حالة من الهدوء داخل القطاع المأزوم.