أخبار عاجلة
حقيقة شراء رجل أعمال شهير لنادي الهلال السعودي -
حقيقة إطلاق رونالدو لعملة رقمية CR7 -

الجامعة العربية بين ثقل المنصب وصراع التوقعات

الجامعة العربية بين ثقل المنصب وصراع التوقعات
الجامعة العربية بين ثقل المنصب وصراع التوقعات

منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية ليس منصبًا عابرًا ولا وظيفة بيروقراطية يمكن أن يشغلها أي دبلوماسي مخضرم، بل هو موقع تاريخي شديد الحساسية، ارتبط عبر عقود طويلة بملفات مصيرية، وحمل على عاتقه هموم أمة بكاملها، وواجه كل أمين عام منه ضغوطات عاصفة بين رغبة الشعوب العربية في وحدة القرار وصوت قوي أمام العالم، وبين مصالح الدول وحسابات السياسة التي كثيرًا ما قيّدت خطوات الجامعة وأفقدتها كثيرًا من فعاليتها. هذا المنصب في الأصل هو انعكاس لثقل مصر التاريخي في المنطقة، إذ لم يخرج من عباءة الدبلوماسية المصرية منذ نشأة الجامعة وحتى اليوم، وكان دومًا أحد وجوه قوة القاهرة الناعمة، ورسالة واضحة بأن مصر هي القلب النابض للعروبة.

ومع اقتراب نهاية ولاية الأمين العام الحالي، تتصاعد التساؤلات والتكهنات حول من يخلفه، وتعود الأضواء لتتسلط على اسم السفير نبيل فهمي، وزير الخارجية المصري الأسبق، بما يحمله من سجل طويل في العمل الدبلوماسي والسياسي. اسم فهمي ليس غريبًا على الساحة، فهو ابن مدرسة عريقة، شغل مناصب مؤثرة، وشارك في مفاوضات مصيرية، وعُرف عنه الهدوء والرصانة في إدارة الملفات الصعبة. كما أن حضوره الفكري والأكاديمي جعله محل تقدير في الداخل والخارج، كونه دبلوماسيًا لا يكتفي بالتنفيذ بل يمتلك قدرة على التحليل والتنظير.

لكن السؤال المحوري يظل قائمًا: هل تكفي هذه الخبرة المتراكمة لتولي منصب بحجم الأمانة العامة للجامعة العربية في لحظة تاريخية معقدة بهذا الشكل؟ المنطقة العربية اليوم ليست كما كانت قبل عقود، التحديات لم تعد مقتصرة على النزاعات التقليدية فحسب، بل امتدت لتشمل أزمات مركبة، من انهيارات اقتصادية إلى تهديدات أمنية وإرهابية، ومن أزمات غذاء وطاقة إلى تراجع مكانة القضية الفلسطينية في الأجندة الدولية لصالح قضايا أخرى. الجامعة العربية باتت في نظر قطاع واسع من الشارع العربي مجرد مؤسسة عاجزة عن الفعل، وصار الحديث عن إصلاحها وتفعيلها مطلبًا أكثر من كونه خيارًا.

في ظل هذا المشهد، يصبح الأمين العام الجديد مطالبًا بأكثر من مجرد إدارة جلسات ومتابعة قرارات، بل عليه أن يعيد الاعتبار لفكرة العمل العربي المشترك، وأن يثبت أن الجامعة لا تزال قادرة على أن تكون بيتًا جامعًا، لا مجرد عنوان اجتماعات دورية أو بيانات تقليدية لا تغير شيئًا على أرض الواقع. هنا تكمن صعوبة التحدي، وهنا يختبر التاريخ كل من يجلس على هذا الكرسي.

ترشيح نبيل فهمي، في تقديري، ليس أمرًا مفاجئًا، بل هو امتداد لطبيعة الاختيارات السابقة التي انحصرت غالبًا في أسماء مصرية ذات خبرة واسعة في السياسة الخارجية. لكن الجديد هو أن الرأي العام بات أكثر وعيًا وجرأة في طرح الأسئلة: ماذا يمكن أن يقدمه الأمين العام القادم؟ هل سيكون مجرد امتداد للمرحلة السابقة، أم أنه قادر على كسر الجمود وفتح مسارات جديدة تعيد الثقة في الجامعة؟ وهل يملك نبيل فهمي الشجاعة السياسية لتجاوز الحسابات الضيقة، والقدرة على جمع التناقضات العربية في موقف واحد، ولو في حدودها الدنيا؟

لا شك أن الرجل يملك رصيدًا دبلوماسيًا مهمًا، لكن النجاح الحقيقي لن يُقاس بالسيرة الذاتية وحدها، بل بقدرته على صياغة رؤية استراتيجية تُشعر المواطن العربي أن الجامعة العربية ليست كيانًا ميّتًا، وإنما مؤسسة قادرة على أن تدافع عن مصالحه وتعبّر عن طموحاته. وهذا تحدٍ كبير في ظل الانقسام العربي الذي بلغ ذروته، والضغوط الإقليمية والدولية التي تحاصر القرار العربي من كل جانب.

وهنا، لا يفوتني أن أوجه كلمة إلى معالي الأمين العام الحالي السيد أحمد أبو الغيط، الذي حمل المسؤولية في سنوات كانت من أصعب ما مرّت به أمتنا. لقد كنتم – مهما اختلفت التقديرات – حارسًا على بقاء الجامعة قائمة، وسعيتم للحفاظ على الحد الأدنى من التماسك بين دولها، في وقت كانت الخلافات أوسع من أي جهد فردي. وما بذلتموه من جهد وخبرة سيبقى جزءًا مهمًا من سجل الجامعة، يُبنى عليه ويُستفاد منه، فيما تنتقل الراية إلى من سيخلفكم. إن التاريخ سيسجّل أنكم قدتم المؤسسة في مرحلة عاصفة، وأنكم حاولتم – بقدر ما تسمح الظروف – أن تحافظوا على صوت العرب حاضرًا على الساحة الدولية، حتى وإن لم يرضِ ذلك طموحات الشارع العربي.

إن الجامعة العربية اليوم تقف على مفترق طرق، إما أن تستعيد دورها كبيت للأمة، وإما أن تستمر في دائرة التهميش والضعف. والأمين العام القادم سيكون أحد أهم العوامل التي تحدد الوجهة. فإذا كان نبيل فهمي هو من سيحمل الراية، فعليه أن يدرك أن التاريخ لا ينتظر، وأن الشعوب العربية لم تعد تقبل بالبيانات الإنشائية، بل تطلب فعلًا حقيقيًا يعيد الأمل في أن العرب قادرون على أن تكون لهم كلمة مسموعة، وصوت جامع، ومصير واحد.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق وزير الخارجية يجري اتصالات مع نظرائه الأفارقة لتعزيز التعاون الإقليمي
التالى بإطلالة صيفية.. درة تتألق في أحدث ظهور لها