في مشهد استثنائي أعاد خلط أوراق السياسة الدولية، التقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في ولاية ألاسكا ضمن قمة وُصفت بأنها الأكثر ترقبًا منذ اندلاع الحرب الأوكرانية. بين صور المصافحة الحارة والابتسامات المتبادلة أمام عدسات الكاميرات، وبين جلسات مغلقة خيّم عليها الغموض، تباينت التوقعات بشأن ما إذا كانت القمة ستفضي إلى نتائج ملموسة، أم أنها ستبقى مجرد عرض دبلوماسي جديد بلا مضمون.

مشهد الاستقبال على السجادة الحمراء
وصلت طائرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى قاعدة "إلمندورف ريتشاردسون" الجوية في ألاسكا، حيث كان ترامب بانتظاره. تبادل الزعيمان التحية أمام الكاميرات، وتصافحا بحرارة وسط حضور لافت لكبار المسؤولين والوفود.
المشهد حمل رمزية خاصة، إذ كان هذا الظهور الأول لبوتين على أرض دولة غربية منذ غزوه لأوكرانيا في عام 2022، ما منح القمة طابعًا استثنائيًا من اللحظة الأولى.
ودّ غير مألوف بين الخصمين
لم يكتفِ ترامب بالمصافحة التقليدية، بل مد يده مجددًا إلى بوتين وربّت عليها في لفتة وُصفت بالودية. ثم انتقل الزعيمان معًا عبر السجادة الحمراء نحو سيارة الليموزين الرئاسية "الوحش"، حيث جلسا جنبًا إلى جنب قبل التوجه إلى قاعة الاجتماعات.
هذه اللحظات بدت وكأنها رسالة ضمنية إلى العالم بأن العلاقة بين واشنطن وموسكو قد تشهد انعطافة، على الرغم من الملفات المعقدة التي تفرق بين الجانبين.
لقاء خلف الأبواب المغلقة
انطلقت المحادثات الرسمية في الساعة 11:27 صباحًا بالتوقيت المحلي، واستمرت نحو ساعة كاملة بحضور كبار المساعدين من الجانبين، من بينهم وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، ونظيره الروسي سيرجي لافروف.

ورغم الترقب الإعلامي، لم تُسرب أي تفاصيل عن مجريات النقاش، ما أثار تساؤلات حول ما إذا كان الزعيمان قد توصلا إلى تفاهمات أولية أم اكتفيا بتبادل وجهات النظر.
تكتم مقصود؟
اللافت أن القمة لم تُعقِبها تصريحات مباشرة، ما دفع بعض المراقبين إلى اعتبار الصمت جزءًا من استراتيجية تفاوضية مقصودة، تمنح الزعيمين مساحة للتحرك دون التزامات معلنة. في المقابل، يرى آخرون أن غياب النتائج يعكس فجوة عميقة يصعب ردمها بسهولة.
صورة بوتين الجديدة
ظهر بوتين مبتسمًا بجانب ترامب داخل "الوحش"، وهو ما اعتبرته وسائل الإعلام الغربية انتصارًا شخصيًا له، إذ أعاد تقديم نفسه كزعيم مرحّب به دوليًا بعد سنوات من العزلة.
مجرد نزوله من الطائرة، وعبوره السجادة الحمراء، وجلوسه إلى جانب الرئيس الأمريكي، شكّل بحد ذاته مكسبًا سياسيًا يعيد موسكو إلى صدارة المشهد العالمي.
مقارنة مع زيلينسكي
المفارقة برزت عند استحضار استقبال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض مطلع هذا العام، حين تعرض لوابل من الانتقادات العلنية من ترامب. هذا التباين في التعامل يعكس، حسب محللين، اختلاف الأولويات الأمريكية بين كييف وموسكو.
لقطات مثيرة للجدل
انتشرت صور التُقطت خلال جلسة أمام الصحفيين، أظهرت بوتين وكأنه يصرخ محاولًا الرد على الأسئلة وسط ضجيج القاعة، فيما جلس ترامب بجانبه بهدوء.

هذا المشهد أثار موجة من التعليقات على مواقع التواصل، حيث رأى البعض أنه يعكس توترًا دفينًا، بينما اعتبره آخرون مجرد لحظة عابرة داخل أجواء مشحونة بالترقب.
إعلام العالم يترقب
التغطية الإعلامية العالمية ركّزت على لغة الجسد بين الزعيمين أكثر من مضمون القمة نفسه، وهو ما يؤكد أن الصور والرموز أحيانًا تفوق أهمية الكلمات في عالم السياسة الدولية.
بين الاستقبال الحافل والمجاملات المتبادلة، وبين صمت القاعات المغلقة، خرجت قمة ألاسكا بلا نتائج معلنة، لكنها تركت بصمات رمزية لا يمكن تجاهلها. بوتين نجح في كسر طوق العزلة وظهر كضيف مرحّب به في الغرب، بينما سعى ترامب لإظهار نفسه كصانع تفاهمات محتمل. وفي ظل غياب الوضوح، يبقى السؤال الأبرز: هل كانت القمة خطوة نحو تفاهمات مستقبلية، أم مجرد عرض سياسي على مسرح العلاقات الدولية؟