تنازلت وزارة السياحة والآثار عن البلاغ المقدم ضد عبد الرحمن خالد، مصمم الفيديو الترويجي للمتحف المصري الكبير الذي تم إنتاجه باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، ولاقى رواجًا واسعا، ليتم إخلاء سبيل الشاب، وسط حالة من الغضب الشديد بين الوسط الصحفي والجمهور من الواقعة.
كان يمكن تسوية الأمر ببساطة
في البداية، يقول الكاتب الصحفي محمد الباز: "قبل أى كلام عما جرى مع عبد الرحمن خالد صاحب الفيديو الترويجى للمتحف المصرى الكبير، أحب أن أثبت موقفى، وهو أننى ما كنت أتمنى أن يجرى معه ما جرى، كان يمكن تسوية الأمر ببساطة، بعيدا عن البلاغات والرغبة فى الانتقام والتأديب المبالغ فيه، لكن يبدو أن سوء التفاهم أصبح هو اللغة السائدة فى المجتمع، وهو ما يجعلنى أتوقف قليلا عند هذه الواقعة من خلال الآتى:
أولا: عبد الرحمن خالد شاب مبدع ووطنى وليست هذه أول مرة يساهم فى الترويج لمشروعات مصرية ووطنية، وأثق تماما فى حسن نيته ودوافعه لإنتاج فيديو ترويجى للمتحف المصرى الكبير.
ثانيا: ما حدث لعبد الرحمن كان نتيجة لبلاغ تقدمت به وزارة السياحة والآثار ضده، تتهمه بالتعدى على حقوق الملكية الفكرية لها.
ثالثا: كان يمكن لوزارة السياحة ببساطة أن تتدارك الأمر بالتواصل مع عبد الرحمن، ليرفع الفيديو من على صفحته، وينتهى الأمر، بل كان يجب أن تستعين به فى حملتها للترويج للمتحف، فلا يجب أن نتعامل مع الشباب المبدعين بهذه الطريقة اللى حتما ستكون لها توابع سلبية على آلاف الشباب الذين يمكن أن يكونوا إضافة، فإذا بنا نحاصرهم بهذه الطريقة، التى رغم قانونيتها، إلا أن الوزارة كان يمكن أن تتعامل بحكمة ورفق.
رابعا: حاول بعض المتربصين والمحتقنين من الشركة المتحدة، الزج بها فى هذه القضية تلميحا مرة وتصريحا مرة، وهو أسلوب رخيص، أتمنى أن يمتنع عنه من يتحدثون دون مسئولية، لأن هذا تشتيت للقضية.
خامسا: تثير هذه القضية بالفعل مسألة الملكية الفكرية، التى يجب أن تخضع لنقاش حقيقى وموضوعى، خاصة أننا نعيش عالم مرعب، تحاصرنا فيه تقنية ال ai من كل اتجاه.
سادسا: أتمنى من المسئولين فى وزارة السياحة والآثار تدارك الموقف وسحب بلاغها حرصا على مستقبل شاب مبدع، يمكنها أن تستعين به فى الترويج للمتحف الكبير، وذلك بدلا من تصدير الإحباط للشباب الذين هم ثروة هذا البلد الحقيقية.
لم تعد مجرد واقعة فردية
بدوره، أكد الكاتب الصحفي خالد صلاح، أن قضية الشاب عبد الرحمن خالد، الذي قدّمت وزارة السياحة والآثار بلاغًا ضده على خلفية فيديو دعائي للمتحف المصري الكبير، لم تعد مجرد واقعة فردية أو مخالفة لحقوق الملكية الفكرية، بل تحولت إلى جرس إنذار مدوٍ يكشف غياب الرؤية لدى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وعجزه عن قيادة صناعة الإعلام نحو المستقبل.
وتابع: عبد الرحمن خالد، شاب موهوب ومصمم محتوى، أنتج فيديو دعائي باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، ظهر فيه النجمان العالميان ليونيل ميسي ومحمد صلاح وكأنهما يروّجان لافتتاح المتحف. انتشر الفيديو بسرعة على مواقع التواصل الاجتماعي، ونجح في جذب انتباه الجمهور، لكن وزارة السياحة نفت أي علاقة لها بالمحتوى، واعتبرته فيديو مزيفًا يخترق حقوق الملكية الفكرية وحقوق الأداء العلني، وقدّمت بلاغًا رسميًا لحماية نفسها ومحتواها الرسمي. عبد الرحمن بلا شك أخطأ من الناحية القانونية بسبب جهله بحقوق الملكية الفكرية، لكنه تحرك بدافع وطني، وقدم نموذجًا جديدًا للترويج الرقمي يمكن أن يغيّر مفاهيم إنتاج الإعلانات.
وأوضح “صلاح”: المفارقة أن المجلس الأعلى للإعلام انتفض بكل ثقله في قضية الإعلامية مها الصغير، وفتح تحقيقات واسعة وفرض إجراءات، بينما في ملف الذكاء الاصطناعي — وهو أخطر وأعمق تأثيرًا على مستقبل الإعلام — لم يلتقط الخيط، ولم يفتح نقاشًا عامًا، ولم يبادر بأي تحرك جاد. المجلس بدا وكأنه مؤسسة لا تتحرك إلا بردود الأفعال، تاركًا الملفات المصيرية بلا خطة أو بوصلة.
واستكمل: الذكاء الاصطناعي اليوم ليس رفاهية، بل قوة قادرة على إعادة تشكيل صناعة الإعلام من جذورها. هناك مهن بأكملها مهددة بالاختفاء أو الانكماش الشديد إذا لم نضع سياسات واضحة للتعامل معها، مثل مونتاج الفيديو وصناعة الإعلانات التقليدية، والتصوير الفوتوغرافي والإعلاني، وكتابة النصوص الدعائية، وبعض مجالات الصحافة التحريرية، والتصميم الجرافيكي التقليدي. كل هذه المهن إذا لم تتكيف مع أدوات الذكاء الاصطناعي أو تجد صيغة جديدة للعمل، فإنها ستتراجع وربما تختفي خلال سنوات قليلة.
وبين: حقوق الملكية الفكرية هي الأساس الذي يحمي المبدعين والمؤسسات من الاستغلال غير المشروع لأعمالهم، وتشمل الحقوق القانونية للمؤلفين والمصورين والمصممين والمبرمجين وغيرهم. الوعي بهذه الحقوق ليس ترفًا، بل ضرورة. لكن المجلس الأعلى للإعلام لم يقم بدوره في نشر هذا الوعي، لا عبر حملات تثقيفية، ولا عبر برامج تدريبية للإعلاميين والمبدعين، ولا عبر فتح قنوات حوار بين صناع المحتوى والجهات القانونية.
وانتقد المجلس الأعلى للإعلام قائلًا إنه غائب عن روح العصر، غائب عن فهم التغيرات الجذرية في صناعة المحتوى، غائب عن وضع خريطة طريق لمواجهة ثورة الذكاء الاصطناعي. يكتفي بردود الأفعال في قضايا هامشية، بينما يترك المبدعين في مواجهة المجهول، ويترك صناعات بأكملها في مواجهة خطر الاندثار. المطلوب الآن ليس بيانات شجب أو تحذيرات بعد وقوع الأزمات، بل دعوة عاجلة لحوار وطني شامل حول مستقبل الإعلام في زمن الذكاء الاصطناعي، يشارك فيه الإعلاميون، والمبدعون، والخبراء، والمشرعون، لمناقشة ليس فقط حقوق الملكية الفكرية، بل أيضًا مستقبل المهن المهددة، والبدائل الممكنة، والرؤية التي تحفظ للإعلام المصري مكانته وقدرته على المنافسة عالميًا.
وأشار الكاتب الصحفي، إلى أن تجاهل هذا الملف يعني أننا سنستيقظ بعد سنوات قليلة لنجد أنفسنا أمام صناعة إعلامية متهالكة، بينما العالم تجاوزنا بأميال، والمجلس… غارق في غياب تام عن أهم معركة مهنية وفكرية في زمننا.
موهبة ووطنية وثقافة
وكان عضو مجلس نقابة الصحفيين محمد الجارحي قد قال: “بقالي أكتر من ساعة في صفحة عبدالرحمن خالد كل اللي بأفكر فيه إزاي شاب بالموهبة دي والوطنية دي والثقافة دي يمر بالتجربة القاسية دي.. بأفكر في إحساسه هو دلوقتي وكل صفحته إبداع ومجهود خرافي وأفلام بالذكاء الاصطناعي توثق للحضارة المصرية”.
وأردف: “دي صورة من الصور اللي عبدالرحمن ناشرها على صفحته.. يا ترى هيطلع من جوه وجواه وجع قد إيه من اللي عملته معاه مصر؟”.
واختتم: “بأراهن على صوت العقل في النظام.. مش مطلوب بس إن عبدالرحمن يخرج.. مطلوب الدولة ترعى موهبته وتوفر له الإمكانيات والتصاريح والتسهيلات ليكون مسؤولا من خلال شركته الجديدة عن الترويج للسياحة والحضارة المصرية”.