باتت إستراتيجية تحول الطاقة في الخليج نموذجًا يُحتذى به، في ظل العقبات التي تواجه تطبيق مسارات الانتقال ومستهدفاته، ومن بينها حالة ولاية كاليفورنيا الأميركية.
واتّبعت بعض الدول الرائدة في المنطقة سياسة حذرة ومتأنية في تنفيذ خطط التحول، مقابل "اندفاع غير مدروس" من دول غربية.
وبدلًا من المضي قدمًا في تلبية أهداف الحياد الكربوني، أظهرت خطوات بعض الدول (ردة عكسية) بالعودة للاعتماد على النفط والفحم.
وحاولت كاليفورنيا أن تسبق الولايات الأميركية الأخرى في تبنّي سياسات وقوانين داعمة للتحول، واتّخذ حاكمها حزمة قرارات جريئة عززها بتشريعات، لكن يبدو أن هذه المساعي تعرضت لضربة قوية من إدارة الرئيس دونالد ترمب.
إستراتيجية تحول الطاقة في الخليج
اتّسمت إستراتيجية تحول الطاقة في الخليج بـ"التأني"، ولم ينحَزْ قادة المنطقة إلى التغيير المفاجئ في السياسات والتوجهات.
وتمسَّك الساسة في الخليج بصناعة النفط والغاز، بوصفها داعمًا رئيسًا للاقتصاد، بحسب ما أورده مقال لمستشار إستراتيجيات الاتصال وتطوير الأعمال "فرانك كين" في منصة "أربيان غلف بيزنس إنسايت".
وضخّ الخليجيون الاستثمارات في الطاقة الشمسية والرياح، وبشكل أكبر في الهيدروجين، مع الإبقاء على النفط والغاز بوصفهما المحرك الرئيس.

وطبّقت سياسات تحول الطاقة في الخليج مبادئ تنوع الموارد، لضمان تلبية الطلب والتصدير دون التعرض لانقطاعات مفاجئة.
وأسست دول الخليج خطط التحول على "تقلّب" السياسات والأسواق، فكانت نظرتها وأداؤها يتّسمان بالمرونة والواقعية أيضًا.
ودافعت دول الخليج عن قطاعات الطاقة المرنة المعتمدة على التنوع، بوصفها مسارًا مأمونًا، لكن فارق السياسات ظهر بوضوح مع نمو حدّة الجدل والانقسامات حول الأهداف المناخية العالمية.
وهناك يمكن إدراك الفارق بالمقارنة مع ولاية كاليفورنيا الأميركية، التي اعتمدت على "الإجماع السياسي" و"خفض تكلفة التقنيات النظيفة" بوصفها سياسات مسلَّمًا بها، وهو أمر غير منطقي في ظل التقلبات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية.
صدمة التحول في كاليفورنيا
واجهت خطط التحول في كاليفورنيا صدمة كبيرة، بعدما هددت رؤية إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب طموحات حاكم الولاية "غافن نيوسوم"، وظهر ذلك في بعض القطاعات، من بينها:
- السيارات الكهربائية
دفعت سياسات ترمب باتجاه تراجع السياسات المناخية في الولاية الأميركية، إذ ألغى -في يونيو/حزيران الماضي- خطوات نشر السيارات الكهربائية وتفويض منع الانبعاثات المخطط لها لعام 2035، ومنع إقدام الولاية على تحديد معايير الانبعاثات بشكل مستقل.
ونظر بعضهم لهذه الإجراءات بوصفها "إنقاذًا" لصناعة السيارات الأميركية، في حين إنها تُعدّ موقفًا مباشرًا ضد حرية الولايات في إقرار سياسات الحياد الكربوني.
وتعرّضت سوق السيارات الكهربائية لضغوط بشكل متسارع إثر هذه القرارات، وتراجَع تسجيل السيارات الجديدة التي تنتجها شركة "تيسلا" بنسبة 21% خلال الربع الفائت (الثاني من العام الجاري 2025)، في الولاية.
وانعكس أداء شركة تيسلا على سوق السيارات الكهربائية في كاليفورنيا، بتراجع حصة هذه المركبات من السوق من 22 إلى 18% خلال أشهر.

- الكهرباء
تشهد ولاية كاليفورنيا توسعًا في مراكز البيانات وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وأدت وتيرة النمو إلى زيادة الطلب والضغط على شبكات الكهرباء.
واضطرت بعض المرافق إلى إحياء محطات كهرباء تعمل بالغاز، رغم توقعات إغلاقها لصالح مشروعات طاقة متجددة جديدة.
وتسجل أسعار الكهرباء بالجملة في الولاية مستويات مرتفعة، تُقدَّر بضعف متوسط الأسعار الأميركية.
وتدريجيًا، بات المناخ العام مشبعًا برفض السياسات الخضراء، خاصة أن أسعار الكهرباء المنتجة من مصادر نظيفة لم تكن منخفضة.
- شركات النفط والغاز
قلّصت شركات النفط والغاز استثماراتها في الطاقة المتجددة، وركّزت على زيادة إنتاج الهيدروكربونات تحت ضغط الطلب المُلّح بجني مكاسب وعوائد أعلى للمساهمين.
وزاد من ذلك الفجوة التي ظهرت بين أرباح مشروعات النفط والغاز، مقارنة بالاستثمارات الخضراء، في نتائج أعمال الشركات الفصلية والسنوية.
- طاقة الرياح
اتّبع دونالد ترمب سياسة معادية لطاقة الرياح خاصة البحرية، وتأثرت الصناعة بعوامل "التضخم، وتباطؤ الإجراءات التنظيمية والحصول على الموافقات والتصاريح، واضطرابات في سلاسل التوريد".
وأدى ذلك إلى تخارج عدد من الشركات المطورة من مشروعات ضخمة في أميركا، وإلغاء مشروعات أخرى نهائيًا.

خيارات كاليفورنيا
تقف ولاية كاليفورنيا حاليًا في مفترق طرق، بين البناء على ما أسّس له "نيوسوم" ومواصلة تطبيق السياسات الخضراء، أو الاستسلام للرياح المعاكسة التي يغذّيها ترمب بقراراته.
وهناك خيار آخر أمام حاكم الولاية، بإعادة النظر في رؤيته للولاية واستخلاص مبادئ "الواقعية" من إستراتيجية تحول الطاقة في الخليج، بالترحيب باستمرار النفط والغاز عنصرين رئيسين في مزيج الطاقة.
ويرى كاتب المقال أن الظروف المواتية تسير باتجاه توسعة الاعتماد على محطات توليد الكهرباء بالغاز، جنبًا إلى جنب مع دعم مصادر الطاقة المتجددة.
ويظهر ذلك في التعديلات التي تُجرى على سياسة تقديم الدعم والإعانات للطاقة النظيفة، وتركيز الجهود على خطوط النقل والتخزين.
وكان حاكم الولاية قد دعم هدف الحصول على كهرباء خالية من الكربون بنسبة 100% بحلول عام 2030، وأقرّ قوانين وتشريعات معززة لذلك.
وخلال العام الماضي 2024، شكلت مصادر الطاقة النظيفة بالفعل "ثلثَي" مصادر الكهرباء في الولاية.
واستهدف "نيوسوم" استحواذ السيارات الكهربائية على "ربع" المبيعات الجديدة.
وتعكس حالة التقلب التي عانتها الولاية (رغم إحراز إنجازات في مسار الطاقة النظيفة) اتجاهًا عالميًا مثبطًا لطموحات تحول الطاقة، مع إثبات صناعة النفط والغاز تفوقها وتمتُّعها بامتيازات اقتصادية رغم نقص الاستثمارات.
ولا يقتصر الأمر على أميركا فقط، إذ تتخذ شركات النفط الكبرى في أوروبا اتجاهًا مماثلًا، بالعدول عن أهداف متجددة سبق وأُعلنَتْ، في حين يتجه بعض صنّاع القرار إلى إعادة النظر في سياسات الحوكمة البيئية.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر..