خاض نادي باريس سان جيرمان الفرنسي رحلة عامرة بالتقلبات صعودا وهبوطا على مدار ما يقرب من عقدين من الزمن، مر خلالها بمنحنيات عنيفة، تجاوزها بشق الأنفس، ليتحول من فريق هابط إلى عملاق يقارع كبار أوروبا والعالم، ويستعد لمواجهة ريال مدريد بطل أوروبا القياسي، غدا الأربعاء، في قبل نهائي كأس العالم للأندية.
عاد الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" عبر موقعه الرسمي الإلكتروني بعجلة الزمن إلى 17 عاما إلى الوراء، ليسلط الضوء على رحلة صعود فريق فرنسي كان مهددا بالهبوط للدرجة الثانية في 2008 إلى بطل أوروبا في 2025 الذي يطمع في اعتلاء صدارة العالم ويفوز بالنسخة الأولى من كأس العالم الموسعة بمشاركة 32 فريقا في الو لايات المتحدة.
وقال فيفا في تقريره "بالنسبة للجماهير الباريسية، يبدو عام 2008 وكأنه زمن بعيد؛ ففي ذلك العام أفلت ناديهم الفرنسي بصعوبة من الهبوط إلى الدرجة الثانية، واليوم أصبح قطب فرنسا الأول بشبه هيمنة على الألقاب المحلية قبل أن يحقق حلمه الأكبر بالفوز بدوري أبطال أوروبا لأول مرة في تاريخه هذا العام".
كابوس 2008
في 17 مايو/آيار 2008، كان باريس سان جيرمان يواجه خطر الهبوط من الدوري الفرنسي الممتاز، وكان خارج دائرة الهبوط قبل انطلاق منافسات الجولة الأخيرة مستغلا تعثر منافسيه لانس وتولوز بالخسارة، لكن فريق العاصمة لم يكن في مأمن تام من الخطر لتفوقه بفارق نقطة واحدة فقط عن هذين الفريقين، وفارق أهداف أقل منهما.
وفي الجولة الأخيرة، فاز باريس بشق الأنفس خارج ملعبه على سوشو بنتيجة 2 / 1 بهدف في الدقيقة 83 لينجو من الهبوط، وينقذ نجمه البرتغالي بيدرو باوليتا، قائد الفريق، من إنهاء مشواره في حديقة الأمراء بسيناريو مأساوي.
نجاحات وسط اضطرابات
خلال الفترة بين عامي 2008 و2011، عانى باريس سان جيرمان من التخبط الإداري، حيث تغيرت ملكية النادي أكثر من مرة، وتناوب ستة أشخاص على رئاسة النادي، وشمل التخبط أيضا تغيير القيادة الفنية بإقالة المدرب بول لوجوين وتعيين أنطوان كومبواريه في منتصف 2009.
تجاوز الفريق الباريسي حالة الارتباك الإداري بتحقيق نتائج مميزة داخل الملعب، مستفيدا من خبرات نجوم بارزين مثل كلود ماكليلي ولودوفيك جولي، حيث حل الفريق رابعا في بطولة الدوري موسم 2010 / 2011، ووصل لنهائي كأس فرنسا مرتين، وانتزع اللقب مرة.
كما توهج الفريق الفرنسي على الساحة الأوروبية، حيث تأهل لدور الثمانية في النسخة الأخيرة من كأس الاتحاد الأوروبي موسم 2008 / 2009، وبعدها وصل إلى دور الستة عشر في بطولة الدوري الأوروبي بنظامها الجديد موسم 2010 / 2011، وأبهر الكثيرين بعروض مميزة منها التعادل مرتين أمام بوروسيا دورتموند في دور المجموعات.
ميلاد عملاق
شهد شهر يونيو/حزيران 2011 نقطة تحوّل كبيرة في تاريخ باريس سان جيرمان، مع استحواذ صندوق الاستثمار الرياضي الحكومي القطري على ملكية النادي، ليضخ دماء جديدة في مشروع النادي.
تعاقد الملاك القطريون الجدد من نجوم بارزين مثل ماكسويل وتياجو موتا وتياجو سيلفا، وأنفقوا ميزانية ضخمة للغاية على استقطاب أسماء من الطراز العالمي بحجم زلاتان إبراهيموفيتش، وديفيد بيكهام وإدينسون كافاني، فضلا عن مواهب واعدة مثل ماركو فيراتي، لوكاس مورا وماركينيوس وخافيير باستوري.
وفي عام 2013، حقق الفريق أول لقب دوري فرنسي له منذ 1994، وواصل الهيمنة بتحقيق 10 ألقاب خلال 12 عاما فقط، حيث فقده مرتين لصالح موناكو في 2017 وليل في 2021، ليعزز باريس مكانته كقوة كروية بارزة على الساحة الدولية.
عقدة أوروبية
رغم الهيمنة الكاسحة لباريس سان جيرمان على الساحة المحلية، اصطدم "الأحمر والأزرق" بسقف زجاجي في دوري أبطال أوروبا.
بين عامي 2013 و2016، ودّع الفريق الباريسي دوري أبطال أوروبا أربع مرات متتالية من دور الثمانية، قبل أن يخرج بسيناريو مؤلم من دور الـ16 في عام 2017 بخسارة لا تنسى إيابا أمام برشلونة بنتيجة 1 / 6 في كامب نو، أضاعت على العملاق الباريسي فرصة شبه مؤكدة بعد فوزه ذهابا على ملعبه 4 /صفر، ليخرج من البطولة رغم تقدمه بفارق هدفين في مجموع المباراتين حتى الدقيقة 88.
دفعت هذه الانتكاسة الشهيرة إدارة النادي للتمسك بشعارها (احلم بشكل أكبر)، لتُبرم صفقات قياسية أبرزها التعاقد مع النجم البرازيلي نيمار، الذي كان في أوج تألقه وقتها ولعب دورا حاسما في تلك الريمونتادا التاريخية لبرشلونة، إلى جانب الموهبة الفرنسية الصاعدة كيليان مبابي.
بعد أربع سنوات، وبعد أن استثمر رئيس النادي ناصر الخليفي بكثافة للعثور على "ليونيل ميسي الجديد"، تجاوز ذلك وجذب النجم الأرجنتيني بنفسه إلى حديقة الأمراء.
اجتمع ميسي مع نيمار ومبابي ليشكّلوا الثلاثي الشهير الذي طال انتظاره، ولكن لم تنجح هذه الثلاثية الهجومية الثقيلة في جلب الكأس ذات الأذنين إلى جدران باريس.
ورغم أن باريس سان جيرمان تعرض لإقصاءات مبكرة عدة مرات في دور الـ16، لكنه تأهل لنهائي دوري أبطال أوروبا لأول مرة في تاريخه عام 2020 ووصل لقبل النهائي في العام التالي 2021، لكنه خسر بسيناريوهات مؤلمة للغاية.
ففي نهائي 2020 أمام بايرن ميونيخ، خسر الفريق بهدف وحيد سجله خريج أكاديميته كينجسلي كومان، الذي اضطر لمغادرة النادي سابقا بحثا عن فرص أكبر، حيث رحل إلى يوفنتوس الإيطالي ومنه إلى بايرن.
وبعد عام، أطاح مانشستر سيتي بالفريق من نصف النهائي بنتيجة 4 / 1 في مجموع المباراتين، وفي 2023 ودع مجددا أمام بايرن ميونخ في دور الـ 16.
إنريكي الذهبي
بدأت ملامح التغيير الحقيقي تظهر في عام 2022، مع تعيين البرتغالي لويس كامبوس مستشارا رياضيا للنادي، ليخلف أسماء أخرى تقلدت الإدارة الرياضية مثل ليوناردو وباتريك كلويفرت وأنتيرو هنريكي.
نجح كامبوس في ضم لاعبين مثل فيتينيا وجواو نيفيز وفابيان رويز، اللذين أصبحوا ركائز أساسية في الفريق.
لكن التحول الأكبر جاء مع نهاية موسم 2022 / 2023، حيث استغنى النادي الباريسي عن أسماء من العيار الثقيل مثل فيراتي وميسي ونيمار جونيور وسيرجيو راموس، واستبدلهم بعناصر شابة تتراوح أعمارهم بين 20 و222 عاما مثل برادلي باركولا، لي كانج إن وجونسالو راموس، إلى جانب تعيين المدرب الإسباني لويس إنريكي، المعروف بأسلوبه الصارم وقدرته على تحقيق النتائج.
كان إنريكي بطلا لموقعة فوز برشلونة التاريخي على باريس 6 / 1 في 2017، وحصل المدرب الإسباني على كامل الحرية لتطبيق فلسفته الكروية في حديقة الأمراء معقل الفريق الباريسي.
في موسمه الأول، أعاد إنريكي الهيبة لسان جيرمان، وقاد الفريق للفوز بالثلاثية المحلية الدوري والكأس والسوبر الفرنسي، ولكن توقفت المسيرة القارية عند الدور قبل النهائي لدوري الأبطال بالخسارة ذهابا وإيابا أمام بوروسيا دورتموند بنتيجة صفر / 2 في مجموع المباراتين.
وفي صيف العام الماضي 2024، رحل كيليان مبابي الهداف التاريخي لسان جيرمان عن صفوف النادي لينتقل إلى ريال مدريد في يونيو/حزيران كلاعب حر.
وبعد فترة من التجارب والتعديلات على التشكيلة الأساسية، وجد لويس إنريكي التوليفة المثالية التي كررت إنجاز الثلاثية المحلية، وحققت الحلم الأكبر بالفوز يلقب دوري أبطال أوروبا لأول مرة في تاريخ النادي بانتصار كاسح على إنتر ميلان بنتيجة 5 / صفر في ليلة لا تنسى على ملعب أليانز أرينا في ميونخ، يوم 31 مايو/آيار الماضي.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.