الأطباء هم حراس الحياة وملائكة الرحمة، يواجهون المرض بدلاً منا، ويتقدمون الصفوف في الأزمات بلا تردد، هم جيشنا الأبيض الذي يمد يده لإنقاذ الأرواح، لكنهم في الوقت ذاته يعملون في ظروف ضاغطة، قد تكلفهم صحتهم وحياتهم، وبينما يسرع البعض لإلقاء اللوم عليهم عند أي خطأ، قلّ من يتوقف ليفكر في حجم المعاناة الجسدية والنفسية التي يعيشونها يوميًا.
وفي هذا السياق تستعرض « البوابة نيوز» حالات وفاة بعض الأطباء أثناء تأدية عملهم خلال الفترة الأخيرة.
وفاة الطبيبة سلمى حبيش.. صدمة في الوسط الطبي
سادت حالة من الحزن في الأوساط الطبية والجامعية عقب وفاة الطبيبة الشابة سلمى حبيش، الطالبة بكلية الطب بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، أثناء فترة الامتياز بمستشفى قصر العيني بجامعة القاهرة، إثر هبوط حاد في الدورة الدموية.
وعلى الرغم من أن الواقعة أثارت الجدل حول ضغوط العمل على الأطباء الشباب، أكدت جامعة القاهرة أن التقارير الطبية أوضحت عدم ارتباط الوفاة بالإجهاد أو ضغط العمل، مشددة على حرصها على توفير بيئة عمل آمنة وداعمة للأطباء وهيئة التمريض والطلاب.
وفاة طبيب الطوارئ عبداللطيف فرج.. شهيد الواجب
قبل ساعات من وفاة سلمى حبيش، كان قد سبقها واقعة ممثالة حين فُجع الوسط الطبي برحيل عبداللطيف فرج محمد، طبيب الطوارئ بمستشفى المنصورة للتأمين الصحي، أثناء عمله داخل غرفة الطوارئ.
نقابة الأطباء نعت الفقيد، مؤكدة أنه كان مثالًا للتفاني والإخلاص، وأن هذه الحوادث تؤكد الحاجة الملحة لتوفير بيئة عمل آمنة وكريمة للأطباء، خصوصًا في أقسام الطوارئ التي تشهد ضغطًا شديدًا.
استقالات جماعية في طب طنطا.. ضغط العمل يبلغ ذروته
الواقعتان سبقهما واقعة ثالثة تتعلق بظروف العمل غير الملائمة وتكشف حجم المعاناة التي يتعرض لها شباب الأطباء، عندما تقدمت 8 طبيبات من قسم النساء والتوليد بجامعة طنطا باستقالاتهن، مشيرات إلى أنهن يعملن فترات تصل إلى 48 ساعة متواصلة دون راحة.
النقابة العامة للأطباء تدخلت، وأوضحت إدارة الكلية أنه تم تقليص فترة النوبتجيات إلى 24 ساعة مقسمة على 12 ساعة يوميًا، مع تحسين ظروف العمل وتوزيع الجهد بين الأطباء.
الأزمات القلبية وأطباء الشباب.. الأسباب الطبية
وفي هذا السياق يقول الدكتور شريف عرفة، أستاذ أمراض القلب بجامعة المنصورة، أن التعرض الشديد لضغط العمل سواء في المجال الطبي أو غيره، يزيد من هرمونات الإدرينالين والكورتيزون، التي تساهم في ارتفاع ضغط الدم وتقلص شرايين القلب، مما يتسبب في الجلطات والنزيف الذي يؤدي إلى الوفاة المفاجئة.
وأضاف أستاذ أمراض القلب، في تصريحات خاصة لـ«البوابة نيوز»، أن تقلص الشرايين خاصة التاجية والتي تعمل على توصيل الغذاء للقلب تؤدي إلى نقص سريان الدم للقلب، وعندما يقل الدم المتجه إلى القلب يتسبب فيما يسمي بـ" الذبحة الصدرية" وعند التقلص الشديد تحدث جلطة في الشريان التاجي، حتى لو كانت الشرايين سليمة.
وأشار إلى أن الأمر الذي قد يسبب احتشاء في عضلة القلب “موت لخلايا القلب” أو اضطراب في كهربية القلب “ الرفرفة البُطينية ”، وهما أمران قد يتسببان في الوفاة المفاجئة.
متلازمة القلب المكسور
وأضاف الدكتور شريف عرفة، أن التعرض للتوتر الشديد، ربما قد يؤدي إلى هبوط مفاجئ بعضلة القلب وهو ما يسمى بمتلازمة القلب المكسور Broken Heart Syndrome وفي هذه الحالة يضعف القلب فجأة ولايستطيع ضخ الدم، وهو الأمر الذي يؤدي إلى ارتشاح رئوي والوفاة المفاجئة.
الطب وظيفة خاصة.. الدكتور يتعامل مع كائن حي
وذكر شريف عرفة أستاذ أمراض القلب، أن هذه الأسباب السابق ذكرها، تأتي بسبب الضغط الشديد والعمل لساعات طويلة والإرهاق والتوتر.
وأوضح أن العمل كطبيب هي وظيفة خاصة، لأنه يتعامل مع إنسان " كائن حي" يكون الطبيب خائفًا على المريض وأن يقلقل إذا أصابه مكروه أثناء إسعافه، الأمر الذي يُعَرِّض الطبيب للتوتر والقلق ويظل يراقب كل العلامات الحيوية للمريض، مما يجعل التوتر الذهني والإدرينالين والكورتيزون مرتفعين بشكل كبير، خاصة مع العمل لأوقات طويلة أو مع المرضى التي تكون حالتهم حرجة ويحتاجون لرعاية مباشرة ومستمرة ما يستدعي وجود الطبيب يقظ لساعات طويلة.
كل هذه الأسباب تعرض حياة الطبيب للخطر
وأوضح أستاذ أمراض القلب، إن طبيعة العمل الطبي القاسية، من ساعات طويلة غير منتظمة، والمبيت في المستشفيات، وقلة النوم، كلها عوامل تزيد من مخاطر توقف القلب المفاجئ، خاصة لدى الأطباء الشباب، عكس المهن الأخري التي لا يوجد بها توتر عضلي أو عصبي.
ضرورة تحسين بيئة عمل الإطباء
واختتم الدكتور شريف عرفة حديثة لـ"لبوابة نيوز"، بالإشارة إلى ضرورة تحسين عمل بيئة الأطباء، بتخفيف التوتر الذي يتعرض له الأطباء أثناء العمل، مع تقليل عدد ساعات العمل، ووجود أكثر من طبيب في الشيفت أو النباطشية، مع التقليل من شغل الـ24 ساعة المستمر، بحيث نخلق بيئة عمل مناسبة للطبيب.
دعوات لإصلاح بيئة العمل الطبي
وفي هذا السياق، شددت نقابة الأطباء على أن تحسين بيئة العمل للأطباء الشباب ضرورة لا رفاهية، وأن إصلاح منظومة الصحة يبدأ من حماية مقدم الخدمة نفسيًا وجسديًا.
وأكدت على أهمية تقليص ساعات العمل، وتوفير فترات راحة، وتحقيق التوازن بين التدريب المهني وحياة الطبيب الشخصية، بما يحافظ على طاقته وكفاءته في إنقاذ الأرواح.
