وفاة الدكتور علي المصيلحي.. قلة هم من جمعوا بين الصرامة العسكرية، والتميز الأكاديمي، والحنكة التنفيذية، بالطريقة التي جسدها الدكتور علي المصيلحي. فقد استطاع أن يشق طريقه من أروقة الكلية الفنية العسكرية وصولًا إلى قيادة وزارة التموين والتجارة الداخلية، تاركًا أثرًا ملموسًا في سياسات الدعم وتنظيم الأسواق على مدار أكثر من سبع سنوات متتالية.
الدكتور علي المصيلحي .. من الشرقية إلى فرنسا
وُلد الدكتور علي المصيلحي في عام 1949 بمركز أبو كبير التابع لمحافظة الشرقية، حيث نشأ في بيئة ريفية ساهمت في تشكيل وعيه المبكر بأهمية الغذاء في استقرار المجتمعات الإنسانية.
بعد ذلك، التحق بالكلية الفنية العسكرية وتخرج عام 1971 بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف في تخصص الهندسة الإلكترونية. لكنه لم يتوقف عند هذا الحد؛ بل قرر أن يوسع آفاقه الأكاديمية بالسفر إلى فرنسا لاستكمال دراسته العليا. هناك، حصل عام 1977 على درجة الماجستير من جامعة “باريس 6″، ثم أتم رحلة العلم بنيله درجة الدكتوراه في عام 1980 من “Ecole Poly Technique”، مركزًا على استخدام الحاسبات لتصميم الدوائر المصغرة، وهو تخصص متقدم عزز موقعه بين نخبة العلماء في هذا المجال.
الدكتور علي المصيلحي مسيرة عملية تجمع بين الخبرة العسكرية والتكنولوجيا
بدأ الدكتور المصيلحي حياته المهنية في مجال التكنولوجيا العسكرية بعمله كرئيس لقسم الحاسب بالكلية الفنية العسكرية حتى عام 1991، قبل أن ينتقل إلى القطاع الخاص، حيث شغل منصب مدير عام ثم تنفيذي لشركة رائدة في تكنولوجيا المعلومات لمدة 19 عامًا. هذه التجربة أكسبته مهارات إدارية راسخة أثرت لاحقًا في أدائه بالمجالات الحكومية.
وفي عام 1999، دخل المصيلحي مجال الإدارة العامة عندما تولى منصب كبير مستشاري وزير الاتصالات. بعدها، في عام 2002، ترأس مجلس إدارة الهيئة القومية للبريد المصري، حيث أطلق مشاريع نوعية تهدف إلى تطوير الخدمات البريدية وربطها بالنظام الإلكتروني لتحسين كفاءتها وتسهيل الوصول إليها.
من التضامن إلى البرلمان
في نهاية شهر ديسمبر عام 2005، شغل منصب وزير التضامن الاجتماعي في التشكيلة الثانية لحكومة أحمد نظيف، واستمر في تولي هذا المنصب خلال حكومة أحمد شفيق حتى فبراير 2011. وخلال تلك الفترة، أشرف على إدارة برامج الدعم والمعاشات وتقديم خدمات الحماية الاجتماعية، مما يعكس أهمية هذه الملفات الحيوية في تحسين حياة المواطنين.
عودة إلى البرلمان
بعد مغادرته الوزارة، عاد المصيلحي إلى العمل النيابي بمنصب رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب. ورغم تأثيره في هذا المجال، قدم استقالته فور ترشيحه لتولي حقيبة وزارة التموين، ليبدأ فصلًا جديدًا من مسيرته السياسية.
قيادة التموين في ظروف حاسمة
في فبراير 2017، عُيّن وزيرًا للتموين والتجارة الداخلية ضمن حكومة شريف إسماعيل، وظل في المنصب خلال حكومة مصطفى مدبولي الأولى حتى يونيو 2024. بهذا، أصبح واحدًا من أكثر الوزراء استمرارية في قيادة هذه الوزارة. على مدار هذه السنوات، تولى ملفات حساسة مثل تأمين المخزون الاستراتيجي من القمح والسلع الأساسية، بالإضافة إلى تطوير نظام البطاقات التموينية وتحسين المجمعات الاستهلاكية. كما واجه تحديات كبيرة متعلقة بارتفاع الأسعار وتقلبات الأسواق بفعالية ودراية.
منهجية متميزة في إدارة الدعم
برز المصيلحي بأسلوبه الذي يجمع بين الصرامة والدقة في التخطيط، مما مكّنه من إدارة وزارة حيوية يؤثر عملها بشكل مباشر على المواطنين. وعلى الرغم من الجدل الذي أثارت بعض قراراته، حافظ على سمعة المسؤول الحازم القادر على التصدي للأزمات بكفاءة.
إرث طويل الأمد
مع انتهاء فترة عمله بوزارة التموين في 2024، ترك المصيلحي بصمة واضحة تتجلى في مشروعات تطوير البنية التحتية للقطاع، وتأمين الاحتياطي الاستراتيجي للسلع، والدفع نحو التحول الرقمي لمنظومة الدعم. إرثه يظل شاهدًا على جهوده المستمرة وسيظل اسمه جزءًا مهمًا من سجل العمل الحكومي المصري.
