أثارت وسيلة إعلامية مقربة من الحرس الثوري الإيراني موجة من الانتقادات الحقوقية والدولية، بعد نشرها دعوة صريحة لتنفيذ إعدامات جماعية بحق معتقلين متهمين بالتجسس والتعاون مع إسرائيل والغرب، مستشهدة بسابقة مجزرة عام 1988 التي راح ضحيتها آلاف السجناء السياسيين في إيران.
وفي مقال نُشر هذا الأسبوع، وصفت وكالة أنباء "فارس" شبه الرسمية هؤلاء المعتقلين بأنهم "يستحقون الإعدام على طريقة عام 1988"، معتبرة أن تعاونهم المزعوم مع "العدو الصهيوني" وتورطهم في تهريب الأسلحة والمعلومات أدى إلى مقتل مئات المدنيين الإيرانيين، بينهم نساء وأطفال.
وقالت الوكالة: "في ظل الظروف الحالية، فإن العناصر المرتزقة التي مكّنت العدو من ارتكاب المجازر بحق الإيرانيين، يجب أن تُعدم كما حدث عام 1988."
تبرير لمجزرة موثقة دوليًا
ووصفت فارس الإعدامات الجماعية التي جرت في الفترة بين يوليو وسبتمبر 1988 بأنها "فصل مشرق" في تاريخ الجمهورية الإسلامية. وجاءت تلك الإعدامات بفتوى من المرشد الأول روح الله الخميني، واستهدفت آلاف السجناء السياسيين الذين خضعوا لمحاكمات سرية وسريعة، قبل إعدامهم ودفنهم في مقابر جماعية غير معلومة، دون إخطار عائلاتهم.
وتُقدّر منظمة العفو الدولية عدد الضحايا بما لا يقل عن 5،000 قتيل، ووصفت الجريمة في تقرير صدر عام 2023 بأنها "جريمة ضد الإنسانية"، مشيرة إلى أن تعذيب عائلات الضحايا واستمرار الإخفاء القسري يشكّل انتهاكًا مستمرًا للقانون الدولي.
قمع متجدد بعد الحرب مع إسرائيل
يأتي هذا الخطاب التحريضي في ظل حملة قمع واسعة تشنها السلطات الإيرانية عقب الحرب الأخيرة التي استمرت 12 يومًا مع إسرائيل. وتشمل الحملة اعتقال أكثر من 700 شخص بتهم تتعلق بالتجسس لصالح إسرائيل، بحسب ما نقلته وكالة فارس نهاية يونيو.
وأقرت السلطات الإيرانية مؤخرًا قانونًا طارئًا يُشدد عقوبات التعاون مع "الدول المعادية"، ويمنح القضاء صلاحية محاكمة المتهمين وفق قوانين الحرب. وقال المتحدث باسم السلطة القضائية، أصغر جهانغير، إن القوانين الحالية "فضفاضة" ولا تكفي لمواجهة "الخطر المتزايد"، مطالبًا بتعديلات تشريعية عاجلة.
صمت رسمي.. وتبرير ضمني
ورغم أن المسؤولين الإيرانيين يتجنبون عادة الإشارة الصريحة لمجازر 1988، فإن بعضهم، بينهم الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، دافعوا مرارًا عن تلك الإعدامات واعتبروها "إجراءات مشروعة ضد الإرهاب".
وفي تسجيل صوتي سُرب عام 2016، أدان المرجع الديني الراحل آية الله حسين علي منتظري، الذي كان يُعتبر خليفة محتملًا للخميني، عمليات الإعدام واصفًا إياها بـ"أكبر جريمة في تاريخ إيران"، محذرًا المسؤولين من أن "أسماؤهم ستُسجل في التاريخ كمجرمين". وقد وُضع منتظري تحت الإقامة الجبرية حتى وفاته عام 2009.