تهتم الصحف العالمية المتخصصة بشكل خاص بتصاعد مكانة مصر كمركز صناعي بارز في أفريقيا، خاصة في قطاع المنسوجات والملابس الجاهزة، وفقًا لتقرير منصة "فايبر تو فاشن".
وتشهد مصر تحولًا ملحوظًا كجسر إستراتيجي في سلاسل التوريد الأوراسية، مدعومة باستثمارات أجنبية كبيرة وموقع جغرافي متميز. في النصف الثاني من عام ٢٠٢٥، تُشير التقديرات إلى جذب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة تتراوح بين ٣٥٠ و٤٥٠ مليون دولار في صناعة الغزل والنسيج، وفقًا لتصريحات هاني سلام، رئيس المجلس التصديري للغزل والمنسوجات.
النمو يعكس طموح مصر للوصول بصادرات المنسوجات إلى ١٫٥ مليار دولار بحلول عام ٢٠٢٦، مستفيدة من تدفقات استثمارية وتوسعات إنتاجية في مناطق صناعية مثل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس والمنيا والفيوم.
توسع الاستثمارات التركية والصينية: دفعة قوية للصناعة
وفي يوليو ٢٠٢٥، أُعلن استثمارات صينية جديدة تزيد عن ٥٥ مليون دولار لتوطين أحدث تكنولوجيات المنسوجات في مصر، بما في ذلك توقيع ٣ عقود لإنشاء مشروعات صناعية في منطقة القنطرة غرب الصناعية. كما شهدت مصر تضاعف عدد مصانع المنسوجات التركية فيها خلال ١٨ شهرًا، حيث تجذب تركيا، التي خسرت ما يقرب من ٢٠٠٬٠٠٠ وظيفة في قطاع المنسوجات منذ عام ٢٠٢٠، إلى مصر بفضل انخفاض تكاليف العمالة (أقل من ١٥٠ دولارًا شهريًا للعامل) وسهولة الوصول إلى الأسواق الأوروبية والأمريكية بفضل اتفاقية "كيو آي زي" التي تتيح تصدير المنتجات بدون رسوم جمركية.
ومع ذلك، يواجه هذا التحول تحديات مثل ارتفاع تكاليف الإنتاج بنسبة ٢٠٠٪ في عام ٢٠٢٤ بسبب انخفاض قيمة الجنيه المصري، مما يُلقي بظلال على تنافسية المنتجات المصرية.
مشروع قومي لإحياء الغزل والنسيج: خطوات طموحة
وأطلقت مصر مشروعًا قوميًا ضخمًا لتطوير صناعة الغزل والنسيج بتكلفة إجمالية تتجاوز ٥٦ مليار جنيه، تشمل ٢٢ مليار جنيه للمنشآت و٦٤٠ مليون يورو للمعدات. يتضمن المشروع تطوير ٦٥ مصنعًا، منها مصنع "غزل ١" في المحلة الكبرى بتكلفة ٧٨٠ مليون جنيه على مساحة ٦٢٬٥٠٠ متر مربع، ومصنع "غزل ٤" بطاقة إنتاجية ١٣ طن يوميًا. المرحلة الأولى اكتملت بالفعل، بينما بلغت نسبة تنفيذ المرحلة الثانية ٧٠٪، ومن المتوقع اكتمال المرحلة الثالثة بحلول أبريل ٢٠٢٦.
هذا المشروع، الذي وصفه رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بـ"الملحمة العظيمة"، يهدف إلى إحياء مكانة مصر التاريخية في صناعة القطن، التي كانت تشكل ٤٠٪ من الاقتصاد المصري في ذروتها خلال خمسينيات القرن العشرين، لكنها تراجعت إلى ٣٪ بحلول عام ٢٠٢٣.
تحديات القطن المصري: بين الجودة والبيروقراطية
رغم جودة القطن المصري، المعروف بـ"الذهب الأبيض"، تراجعت المساحات المزروعة من ٢ مليون فدان في الخمسينيات إلى أقل من ٣٠٠٬٠٠٠ فدان في ٢٠٢٥، مما أدى إلى الاعتماد على القطن قصير التيلة المستورد، وهو ما أضر بجودة المنسوجات المصرية.
في عام ٢٠٢٤، بلغت صادرات الملابس الجاهزة ٢٫٨ مليار دولار، بزيادة ١٨٪ عن عام ٢٠٢٣، لكنها لا تزال بعيدة عن الصين (٢٨٦ مليار دولار) وتركيا (٣٦ مليار دولار). البيروقراطية، وضعف التعليم الفني، وارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب استيراد مستلزمات الإنتاج، تشكل تحديات كبيرة. لمعالجة ذلك، يدعو خبراء مثل أحمد عياد إلى تحسين بيئة الاستثمار وتوسيع زراعة القطن طويل التيلة لتعزيز التنافسية.
فرص التصدير والمعارض الدولية: مصر على الخريطة العالمية
واستضافت مصر الدورة الثامنة لمعرض "ديستينيشن أفريكا" في القاهرة، بمشاركة أكثر من ١٠٠ شركة عارضة و٢٠٠ مشترٍ دولي، مما عزز مكانة مصر كوجهة للمنسوجات والملابس في أفريقيا. ساهم المعرض، الذي نظمته جمعية المصدرين المصريين بالتعاون مع المجالس التصديرية، في فتح أسواق جديدة وزيادة الصادرات التي وصلت إلى ٣٫٥ مليار دولار في عام ٢٠٢٣. يُعد قطاع المنسوجات في مصر، الذي يشغل ٢٠٪ من القوى العاملة الصناعية ويضم ٤٦٠٠ شركة باستثمارات ٦ مليارات دولار، قوة اقتصادية كبرى تساهم بنسبة ٣٪ في الناتج المحلي الإجمالي.
ومع طموح للوصول إلى صادرات بقيمة ١٢ مليار دولار خلال ٣ سنوات، تتجه مصر لتعزيز مكانتها كمركز تصنيع عالمي، رغم التحديات السياسية والاقتصادية.
ولفت موقع فايبر تو فاشون في تقريره إلى أن مصر، بتاريخها العريق في صناعة المنسوجات منذ ٥٠٠٠ سنة قبل الميلاد، تقف اليوم على مفترق طرق. بفضل استثمارات أجنبية، مثل إعلان مجموعة "كريستال جروب" من هونغ كونغ عن استثمار ٣٠٠ مليون دولار في ٢٠٢٥، وجهود تطوير ٦٥ مصنعًا، تسعى مصر لاستعادة أمجادها كـ"قلعة المنسوجات". لكن النجاح يتطلب مواجهة تحديات مثل البيروقراطية ونقص العمالة المدربة.
