يثير تخزين الهيدروجين الطبيعي اهتمامًا متزايدًا في الآونة الأخيرة، في ظل مساعٍ حثيثة للحدّ من تقلبات الطاقة المتجددة، وإزالة الكربون من القطاعات الصناعية.
وكشفت بيانات حديثة -اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)- أن التركيب المعدني للخزانات الجوفية قد يؤدي دورًا أكثر أهمية مما كان يُعتقد سابقًا.
وخلصت الدراسة أن للكيمياء أهمية لا تقل عن أهمية الفيزياء في تخزين الهيدروجين الطبيعي؛ فالنسيج المعدني للأرض ليس خاملًا، ويجب تحديد تفاعلاته مع الهيدروجين من حيث كميته، ونمذجته، ودمجه في إستراتيجيات إدارة المخاطر إذا أُريد للتخزين الجوفي أن يصبح ركيزة موثوقة للتحول إلى الطاقة النظيفة.
وسيكون دمج بيانات تفاعل المعادن في تقييمات المواقع وأدوات النمذجة أمرًا بالغ الأهمية، مع بدء القطاع في توسيع نطاق المشروعات من تجريبية إلى تجارية.
خريطة تفاعلات الهيدروجين الطبيعي مع المعادن
رسمت دراسة شاملة لنظرية الكثافة الوظيفية (DFT) خريطة لتفاعلات الهيدروجين الطبيعي عبر مجموعة من المعادن الجوفية، كاشفةً أن التركيب الكيميائي للصخور يُمكن أن يؤثّر بشكل كبير في احتباس الهيدروجين، وكفاءة استرجاعه، وحتى سلامة الخزان.
نمذجت الدراسة سلوك امتزاز (ظاهرة تجمع أو تركيز مادة على سطح مادة أخرى) الهيدروجين على قائمة مُختارة من المعادن الشائعة في تكوينات التخزين المحتملة، وحددت 3 أنواع مميزة من تفاعلات الهيدروجين الطبيعي مع المعادن.
ووفق التفاصيل التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة، تشمل هذه الأنواع:
- الامتزاز الفيزيائي الضعيف عبر قوى فان دير فالس، وهي قوى التأثيرات المتبادلة بين جزيئات المادة الواحدة المتعادلة كهربيًا مع بعضها بعضًا.
(الامتزاز الفيزيائي هو عملية تجمع فيها المادة -عادةً غاز أو بخار- على سطح مادة أخرى وهي المادة المازة، التي تُعدّ مادة صلبة ذات مسامية عالية تلتقط جزئيات أو ذرّات مادة أخرى على سطحها بوساطة قوى ضعيفة غير كيميائية). - إعادة توزيع الإلكترونات المعتدلة في أثناء الامتصاص.
- الامتزاز الكيميائي القوي الذي يؤدي إلى تفكك الهيدروجين المحتمل.
(الامتزاز الكيميائي هو عملية كيميائية يحدث فيها تفاعل كيميائي بين المادة الممتزّة -غاز أو بخار- والسطح الصلب للمادة الممتصة).
ولكل فئة آثار جوهرية في احتواء الهيدروجين على مدى أوقات طويلة.

وجاء هذا الفهم العميق وسط تناقضات متزايدة في النتائج التجريبية؛ إذ لاحظت بعض الدراسات زيادة في المسامية وذوبان المعادن عند التعرض للهيدروجين، في حين أفادت دراسات أخرى بتغيرات طفيفة.
وغالبًا ما تنبع هذه التناقضات من تعقيد الصخور الطبيعية، حيث تتعايش معادن متعددة وتحجب إسهامات كل منها.
وفي الوقت الذي ركّزت فيه الدراسة الحالية على تفاعلات الهيدروجين الجاف مع المعادن، سيُقيّم العمل الجاري كيفية تأثير وجود الماء -المنتشر في التكوينات الجوفية- على هذه السلوكات، ما قد يؤدي إلى تفاقم التفاعلية أو تخفيفها.
نتائج تفاعلات الهيدروجين الطبيعي مع المعادن
تأتي نتائج الدراسة في الوقت الذي يواجه فيه أصحاب المصلحة في تخزين الهيدروجين -من الجهات التنظيمية إلى مطوّري المشروعات- ضغوطًا متزايدة لتحديد مواقع تخزين مناسبة واعتمادها.
ووفق التفاصيل التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة، أظهرت المكامن الغنية بالكوارتز والكاولينيت والمسكوفيت خصائص امتزاز فيزيائي ضعيفة فقط، ما يشير إلى احتمال ضئيل لفقد الهيدروجين.
ويشير هذا التفاعل الضعيف -الذي تهيمن عليه قوى فان دير فالس- إلى إمكان تخزين الهيدروجين في مثل هذه التكوينات، مع خطر محدود للاحتباس أو التحلل الكيميائي.
الجدير بالذكر أن الكوارتز -وهو مكون أساس في مكامن الحجر الرملي- يحتفظ بسمعته بوصفه خاملًا كيميائيًا، ما يعزز قيمته بوصفه صخرًا مضيفًا للتخزين.
وفي المقابل، أظهرت معادن مثل الكالسيت والأوجيت والفاياليت سلوك امتزاز معتدلًا يتضمن إعادة توزيع إلكترون قابلة للقياس، بحسب ما جاء في التقرير الذي نقلته منصة "إنرجي نيوز" (Energy News).
ورغم أنها ليست بتفاعلية المعادن الممتصة كيميائيًا نفسها، فإن هذه التفاعلات قد تُعقّد التخزين طويل الأمد من خلال احتجاز الهيدروجين جزئيًا أو تغيير ديناميكيات الامتزاز (العملية التي تنفصل فيها هذه المادة عن السطح وتعود إلى المحيط).
وتنطبق هذه الآثار خصوصًا على التكوينات التي تحتوي على كربونات مثل الكالسيت، والتي تنتشر في العديد من المناطق الجيولوجية الغنية بالحجر الجيري.
وقد تؤثّر التغيرات بتوزيع الشحنات في معدلات الاسترجاع؛ ما يؤدي إلى انخفاض الكفاءة خلال دورات الإنتاج.
ووفق التفاصيل التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة، فإن أكثر ما يثير القلق هو النتائج المتعلقة بمعادن مثل الألبيت، والأنورثيت، والفلوريت، والبيريت، حيث لوحظت عمليات امتزاز كيميائي قوية ودلائل على تفكك الهيدروجين.
وتشير هذه التفاعلات إلى مسارات ارتباط أو تفاعل لا رجعة فيها؛ ما قد يؤدي إلى فقدان دائم للهيدروجين أو تآكل معدني.
على سبيل المثال: سبق أن ذُكر البيريت في الأدبيات التجريبية لخضوعه للاختزال إلى البيروتيت في ظل ظروف قلوية غنية بالهيدروجين.
ورغم أن البيانات التجريبية السابقة أسفرت عن نتائج متباينة بشأن تفاعل البيريت، فإن عمليات المحاكاة الذرّية تؤكد ضعفه المحتمل في ظل ظروف ديناميكية حرارية محددة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصدر: