أخبار عاجلة
آبل تؤكد إدماج نموذج GPT-5 في تحديث iOS 26 القادم -

رموز خالدة (٢).. تامر أفندى يكتب: أحمد رامى.. الشاعر الذى صاغ الروح الكلثومية

رموز خالدة (٢).. تامر أفندى يكتب: أحمد رامى.. الشاعر الذى صاغ الروح الكلثومية
رموز خالدة (٢).. تامر أفندى يكتب: أحمد رامى.. الشاعر الذى صاغ الروح الكلثومية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

اللقاء الأول مع أم كلثوم لحظة محورية فى تاريخ الموسيقى العربية وبداية شراكة فنية أسطورية غيرت مجرى الغناء العربى.

«الصب تفضحه عيونه» غنتها ثومة قبل أن تلتقى به وأصبحت حديث الناس فى ذلك الوقت

لم يكن أحمد رامى مجرد شاعر يكتب الكلمات، بل كان أسطورة خالدة فى تاريخ الموسيقى العربية وصائغًا لروح أم كلثوم الفنية.. قبل لقائه بها، كانت أم كلثوم تؤدى أدوارًا فنية مختلفة، وتغنى قصائد من التراث الصوفى والأغانى التقليدية، لكن رامي، بعين الشاعر المتمكن الذكى وقلب العاشق الملهم، أدرك القدرات الحقيقية لصوتها، فنقلها من مرحلة "المطربة القوية" إلى مرحلة "سيدة الغناء العربي".

 كتب لها أغانٍ تعبّر عن مشاعر إنسانية معقدة: الحب الذى يمزقه الشك، والشوق الذى لا ينتهي، والأمل الذى يتجدد رغم الألم، فأغانيه لم تكن مجرد كلمات، بل كانت مسرحًا دراميًا صغيرًا، حيث تتغير نبراتها بين الرقة والحنان والقوة، وبين العتاب والرضا.

كان رامى يكتب وهو يستحضر صوتها فى ذهنه، هذا التناغم النادر بين الشاعر والمطرب هو ما جعل من أغانيهما أعمالًا فنية متكاملة.

أم كلثوم، من جانبها، لم تكن مجرد مؤدية للكلمات.. بل كانت "المُحيية" للقصيدة.. تمتلك قدرة عالية وفريدة على الغوص فى أعماق النص الشعري، وفهم كل كلمة فيه، وكل إحساس به، وكل معنى.. عندما كانت تغني، لم تكن تتلو الكلمات، بل كانت تعيشها، وكان المستمع يشعر أن أم كلثوم عاشت هذه القصة، وأنها تتحدث عن تجربتها الشخصية، وكانت تدرك أن كلمات رامى تحمل فى طياتها قصة حبه لها، فتلك القصائد كتبها شاعر من أجلها، فكانت ترد له الجميل بأن تجعل من هذه القصائد جزءًا من التاريخ.

نشأته فى حى الناصرية

409.jpg

ولد أحمد رامى فى حى الناصرية بالقاهرة فى ٩ أغسطس عام ١٨٩٢ لعائلة مصرية من الطبقة المتوسطة. كان جده الرابع لأبيه من أصل تركي، وكان والده عند مولده طالبًا فى كلية الطب فى قصر العينى وأصبح لاحقًا طبيبًا فى القصر.

أمضى السنوات الأولى من طفولته مع والده فى جزيرة “ثاسوس” التى كانت مملوكة للخديوى عباس الثاني. عاد إلى القاهرة عام ١٩٠١ ليعيش مع عمته. التحق بالمدرسة الابتدائية المحمدية ومدرسة الخديوى الثانوية المرموقة فى القاهرة. فى هذه الفترة كان رامى يحضر المنتديات الشعرية الأسبوعية ويبدأ فى تنمية موهبته الشعرية.

كتب قصيدته الأولى عندما كان فى الخامسة عشرة من عمره وبدأ فى التعبير عن رأيه فى الأحداث السياسية فى قصائده. ظهرت  قصيدته الأولى عام ١٩١٠ فى مجلة الروايات الجديدة. بعد تخرجه من كلية المعلمين العليا عام ١٩١٤، تم تعيينه مدرسًا للجغرافيا واللغة الإنجليزية فى المدارس الخاصة فى السيدة زينب، ثم فى الغربية والمنيرة. تعرّف على شعراء وفنانى عصره، مثل عبد الحليم المصرى وأحمد شوقى وأحمد نسيم وحافظ إبراهيم. بعد ست سنوات، تم تعيينه أمين مكتبة فى مكتبة المعلمين العليا، ما أتاح له فرصة فريدة لقراءة الشعر والأدب باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية. وفى عام ١٩١٨، نشر رامى أول ديوان له.

لقاءٌ قدري فى عالم الفن

يُعتبر اللقاء الأول بين الشاعر أحمد رامى والمطربة أم كلثوم لحظة محورية فى تاريخ الموسيقى العربية، فقد كان بداية شراكة فنية أسطورية غيرت مجرى الغناء العربي.

لم يكن لقاءً عاديًا، بل كان بداية قصة حب أفلاطونية وإبداع مشترك استمر لعقود.

العودة من باريس والبحث عن صوت

بدأت القصة فى عام ١٩٢٤، عندما عاد أحمد رامى إلى مصر بعد أن أمضى أربع سنوات فى باريس يدرس الأدب الشرقى واللغات السامية. وخلال إقامته فى باريس، كان ينشر أشعاره فى مجلتى "السفور" و"الشباب" بشكل منتظم، وأطلق عبدالعزيز الصدر صاحب مجلة "الشباب" على رامى لقب "شاعر الشباب" نسبة إلى المجلة، وظل هذا اللقب ملازمًا لرامى.. وعندما نشرت مجلة "السفور" قصيدة "الصب تفضحه عيونه" أعجبت الشيخ أبوالعلا محمد فلحنها وغنتها أم كلثوم وأصبحت حديث الناس آنذاك، حتى أنه وجد قصيدته على كل لسان عندما عاد من باريس. 

كان رامى شابًا مثقفًا، يحمل شهادة الليسانس فى الآداب، وشغوفًا بالشعر والموسيقى. كان حلم حياته أن يجد صوتًا استثنائيًا يجسّد كلماته ويمنحها الخلود.

فى تلك الفترة، كانت أم كلثوم قد بدأت فى شق طريقها نحو الشهرة فى القاهرة.. كانت قادمة من قرية "طماى الزهايرة" بالدقهلية، وتتميز بصوت قوى لم يعتد عليه الجمهور المصرى فى ذلك الوقت. وكانت تُغنى فى حفلات خاصة وأمسيات فنية، وتجذب الأنظار إليها بسرعة.

اللقاء الأول: "أنتِ يا ست أم كلثوم"

تم اللقاء الأول بينهما فى بيت صديقهما، المطرب والملحن أبو العلا محمد، الذى أتى بأم كلثوم إلى القاهرة وعرفها على الوسط الفني، وعندما دخل رامي، وجد أم كلثوم تجلس وتُحادث الحاضرين، وكانت ترتدى ملابسها الريفية البسيطة وتضع نظارة طبية. نظر إليها رامى بانبهار، وشعر أن هذا الصوت الذى يسمع عنه هو نفسه الصوت الذى يبحث عنه.

بحسب ما يروى رامى نفسه، فقد تقدم منها وقال لها: "أنتِ يا ست أم كلثوم". لم يكن يعرفها شخصيًا، لكنه كان يعرف صوتها وشهرتها المتنامية.

من لقاء إلى شراكة فنية

407.png

بعد هذا اللقاء، ذهب رامى مع أحد أصدقائه إلى تياترو الأزبكية ليسمعها من أم كلثوم فوجدها فتاة تلبس ملابس الرجال والعقال فقال لها "عايز أسمع قصيدتى الصب تفضحه عيونه ياست لأنى كنت مسافر"، وردت أم كلثوم "أهلا بيك يا سى رامى"، وغنت الأغنية ثم طلبت منه أن يكتب لها أغنيات خاصة بها فكتب لها أغنية "خايف يكون حبك لى.. شفقة علىَّ" ولحنها صبرى النجريدى طبيب الأسنان ولم تحقق الأغنية شهرة كبيرة، لكنها كانت كافية لتبدأ شراكة فنية لم يسبق لها مثيل.

وجد رامى فى أم كلثوم الصوت الذى يترجم كل مشاعره وأفكاره، ووجدت أم كلثوم فى رامى الشاعر الذى يفهم قدراتها الصوتية ويستطيع أن يكتب لها كلمات خالدة تليق بعظمتها.

منذ ذلك الحين، أصبحت كلماته جزءًا لا يتجزأ من تراثها، وشكلت أغانيهما معًا ثروة فنية لا تقدر بثمن.

لم تكن مجرد علاقة عمل، بل كانت علاقة حب وفن وصداقة، صاغت معًا إرثًا فنيًا يُخلد اسميهما حتى اليوم.

الحب الأفلاطوني

قصة لم تكتمل فى الحياة، لكنها خُلدت فى الفن

تعتبر قصة حب أحمد رامى لأم كلثوم من أكثر القصص الفنية إلهامًا، لأنها كانت حبًا أفلاطونيًا خالصًا.

لم يتزوجا، ولم يعيشا معًا، لكن روحهما كانت متحدة فى الفن.

كان رامى متزوجًا وله أولاد، لكن حبه لأم كلثوم كان "الظل" الذى يرافقه دائمًا.. ويُقال إنه كان يكتب لها رسائل سرية، ويُخفيها فى أشعاره.

هذا الحب من طرف واحد، هو ما منحه القدرة على كتابة أكثر من ١٣٠ أغنية تعبر عن كل حالات الحب المختلفة.

أما أم كلثوم، فقد كانت امرأة قوية ومستقلة، لم تكن حياتها الشخصية محور اهتمامها الأول، بل كان الفن هو حياتها كلها.

كانت تقدر رامى كشاعر وصديق، لكنها لم تستطع أن تمنحه الحب الذى كان يصبو إليه.

هذا التوازن العجيب هو ما خلق "المعجزة". لو كانا قد تزوجا، ربما كانت الحياة العادية بكل تفاصيلها قد تقتل هذا الشغف الفنى لديهما. لكن بقاءهما بعيدين عن بعضهما البعض فى الحياة الواقعية، هو ما سمح لروحيهما بالالتقاء فى عالم الفن، وتجسيد الحب فى أجمل صوره له.

وكان رامى يقول عن حبه لها: "حبى لها لم يكن حب رجل لامرأة، حبى لها كان أسمى من الماديات ومعلقًا بالروحيات، كنت أعشق صوتها، قدرتها على الغناء ساعات طويلة دون أن يضعف صوتها أو يتعب، كنت أعشق ثقافتها العالية حنانها الدافق، مشاعرها الإنسانية، حسها الوطني، فكرها الإنسانى المنفتح".

كانت تصغى إلى الشعر وتدرك ما فيه من قوة وتلمس ما فيه من ضعف، ولم أكن أرضى عن قصيدة نظمتها حتى تمهرها برضاها وإعجابها.

قطيعة رامى وثومة 

406.png

"يا ريتنى ما عرفتك يا شيخ".. طوت هذه الجملة صفحات الود التى استمرت على مدار سنوات، حيث أنه فى حفل تكريم لعبد الوهاب فى دار الموسيقى العربية، وقع سوء تفاهم سرعان ما تفاقم بينهما، وما إن عاد إلى بيته حتى مزق كل صور أم كلثوم التى كان يعلقها على جدران منزله، واستمر توتر العلاقة بينهما لشهور، حاولت «الست» خلالها مصالحته، ولكن رامى العاشق كان يرفض لقاءها لما كان للجملة من وقع مؤذٍ على قلبه، وانتهت هذه القطيعة فى النهاية بوساطة من صديقه الملحن محمد القصبجي، وبالأغنية التى عبر فيها عن استيائه من تصرفها، والتى كانت تقول: "أصون كرامتى من قبل حبي.. فإن النفس عندى فوق قلبي.. رضيت هوانها فيما تقاسي.. وما إذلالها فى الحب دأبي".

الإرث المشترك ما بعد الرحيل

بعد وفاة أم كلثوم عام ١٩٧٥، عاش رامى ست سنوات أخرى.. فى تلك السنوات، لم يستطع أن يكتب شعرًا كما كان من قبل، كأن صوته قد اختفى، وكأن قلبه قد فُقد.

عندما رحلت أم كلثوم، رحل معها جزء كبير من أحمد رامي.

تُروى قصة شهيرة أنه بعد وفاتها، كتب قصيدة بعنوان إلى أم كلثوم جاء فيها:

ما جال فى خاطرى أنى سأرثيها

بعد الذى صغت من أشجى أغانيها

قد كنت أسمعها تشدو فتطربني

واليــوم أسمعنى أبكــى وأبكيهــــا

صحبتها من ضحى عمرى وعشت لها

ادف شهد المعانى ثم أهديهـــا

سلافة من جنى فكرى وعاطفتي

تــديرهــا حـــول أرواح تناجيهــــا

لحنا يدب إلى الأسماع يبهرهـــا

بما حوى من جمـــال فى تغنيهـــــا

ومنطقا ساحـــرا تسرى هواتفه

إلى قلـــوب محبيهــــا فتسبيهـــــــا

وبى من الشجو من تغريد ملهمتي

ما قــد نسيت به الدنيـــا وما فيهـــا

وما ظننت وأحــلامى تســامرنــي

أنى سأسهـــر فى ذكرى ليـــاليهـــا

يـــا درة الفـــن يا أبهى لآلئـــــــه

سبحـــان ربى بديع الكَــون باريهـا

مهما أراد بيـــان أن يصــورهـــا

لا يستطيع لها وصفـــًا وتشبيهـــــا

صوت بعيــد المدى ريا منـاهلــه

به من النبـــرات الغــر صافيهـــــــا

وآهة من صميم القلب ترسلهـــا

إلى جراح ذوى شكــوى فتشفيهــــا

تشدو فتسمع نجوى روح قائلها

وتستبيــن جمـال اللحـــن من فيهــا

يا بنت مصر ويا رمز الوفاء لها

قدمت أغلى الذى يهـــدى لواديهـــا

كنت الأنيس لها أيّـــام بهجتهــا

وكنت أصـــدق بــاك فى مآسيهــــا

"ودعتُها والروحُ فيها ساكن

فقلتُ لها يا روحى لا تنساني"

الرباعيات الأجمل والأرق والأعذب

أحمد رامى ترجم "رباعيات الخيام" بعدما درس اللغة الفارسية، ليكون أول شاعر عربى يترجم رباعيات الخيام شعرًا عن الفارسية، وطبعت بدار المعارف.. وهنا نتوقف لنرى مدى الإبداع فى ترجمة رامى إذ منح للرباعيات روحًا جديدة ومعنى يعبر عن عمق إحساسه بالنص الذى يترجمه. وفى لقاء شهير للإذاعى والشاعر الراحل فاروق شوشة، قال إن كل المعايير توفرت فى «رامى»، شاعرًا ومترجمًا، من حيث اللغة والأسلوب، والإحساس بالكلمة وروح النصّ، فقد تُرجمت الرباعيات إلى أكثر من ٣٠ ترجمة، لكن تبقى ترجمة «رامى» هى الأجمل والأرق والأعذب.

ومضى فاروق شوشة قائلًا إن شروط الترجمة الجيدة هى تحويل العمل فى النصّ الأصلى إلى عمل فى اللغة الجديدة له المستوى نفسه من الجمال والدقة، وهذا ما فعله «رامى».. فهو يقرأ النصّ فى الأصل الفارسى، ثم ينساه، ثم يبدأ النصّ يعيش فى داخله، ثم يكتبه من جديد باللغة العربية، وتلك عبقرية لم تتوافر إلا فى رامى، ومن أمثلةً ذلك مطلع الرباعيات بالفارسية، وهو: "جئتُ مضطرًا إلى الدنيا فى أوّل الأمر، فى أوّل وجودى، بمعنى أنا جئتُ إلى الدنيا مضطرًا"، لتصبح فى لغة «رامى»: "لبستُ ثوبَ العيشِ لم أُستشر".. ثم نقرأ فى الرباعية الفارسية: "سوى حيرتى من الحياة، شيئًا، لم أزد، بمعنى، لم أستفد شيئًا سوى حيرتى من الحياة" فتحولت بلغة أحمد رامى: "وحرتُ فيه بين شتى الفِكَر"!.. وإلى جانب "رباعيات الخيام"، ترجم أحمد رامى مسرحية "سمير أميس"، وبعض قصائد ديوان "ظلال وضوء" لسلوى حجازى عن الفرنسية.

كان أحمد رامى من بين الرواد فى الكتابة للسينما، سواء كتابة الأغانى أو كتابة قصص الأفلام والحوار، وشارك فى ٣٠ فيلمًا من كلاسيكيات السينما المصرية، ومن أشهر الأفلام التى كتب لها الأغنيات أفلام أم كلثوم مثل "عايدة"، و"وداد"، و"دنانير"، وأفلام محمد عبدالوهاب "الوردة البيضاء"، عام ١٩٣٢، و"يحيا الحب" عام ١٩٣٨، وبعض أفلام ليلى مراد التى حملت اسمها وحققت نجاحات كبيرة، وبعض أفلام فريد الأطرش.. كما كتب احمد رامى مسرحية "غرام الشعراء".

دواوين شعرية وقصائد كثيرة 

صدر للشاعر أحمد رامى ٦ دواوين أولها فى ١٩١٨ وآخرها ١٩٦٥، وكتب نحو ٢٥٠ قصيدة غنائية، كما ترجم عن الأدب الإنجليزى إلى العربية ١٥ مسرحية.

حصل على جائزة الدولة التقديرية عام ١٩٦٧، ووسام الفنون والعلوم، ووسام الكفاءة الفكرية من الطبقة الممتازة من الملك الحسن ملك المغرب، ودرجة الدكتوراه الفخرية فى الفنون، ورحل عن عالمنا فى ٥ يونيو ١٩٨١.. لكن أمثال رامى لا يرحلون وتبقى أشعاره نرددها كلما تشدو بها أم كلثوم.

كتب قصيدته الأولى فى الخامسة عشرة من عمره وبدأ فى التعبير عن رأيه فى الأحداث السياسية فى قصائده

404.jpg

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق حبس سوزى الأردنية بتهمة نشر مقاطع خادشة للحياء
التالى نقابة الصحفيين المصريين تجدد إدانتها للجرائم الوحشية للعدوان الصهيوني في غزة