العلاقة ما بين احتمال اجتياح غزة بشكل كامل أو جزئي من قبل إسرائيل وبين عوامل انتشار الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط؛ فكل السياسات الإسرائيلية قبل عامين من الحرب تصب في خانة عودة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط.
من نتائج الحرب الإسرائيلية على مصر في العام 1967 عودة الجماعات الدينية، والتي تصدرت المشهد حتى حرب أكتوبر عام 1973، والتي كانت ترى ضرورة العودة إلى الدين كأحد أهم صور مواجهة إسرائيل، لأنه في تقديرها الحل الوحيد والأمثل لمواجهة دولة العدو، وهو ما عرف بانتشار الصحوة الإسلامية.
وشهدت السبعينيات وما بعدها نشأة جماعات دينية متطرفة مثال تنظيم الجهاد الإسلامي، والجماعة الإسلامية المسلحة وجماعة المسلمين والتي عرفت إعلاميًا بجماعة التكفير والهجرة، وغيرها من الجماعات المتطرفة، ضمن مفهوم الصحوة المشار إليه.
الصراع المصري الإسرائيلي خلف وراءه تنظيمات متطرفة ترى أنّ مواجهة إسرائيل لا بد أنّ تكون من خلال الحشد الديني، وبعيدًا عن صحة هذا التصور أو تأثيره، باتت التنظيمات الإسلاموية تتصدر المشهد السياسي في مصر لعقود طويلة، وتحول سلاحها فيما بعد إلى صدور المصريين، وللمفارقة قتل الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات بيد هذه التنظيمات المتطرفة، فضلًا عن الإرهاب الذي ضرب البلاد في نهاية الثمانينيات وأوائل ومنتصف التسعينيات من القرن الماضي.
استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة مزيدًا من الوقت يُعني عودة الخطاب المتطرف من جديد، فضلًا على أنّ إسرائيل تسعى لتوسيع دائرة الحرب في منطقة الشرق الأوسط، وتسعى لتغيير الخريطة وإعادة رسمها من جديد، وكل هذا يصب في صالح الخطاب الإسلاموي المتطرف.
حديثنا ليس موجهًا للخطاب الإسلامي ولكن للخطاب الإسلاموي المتشح بالإسلام ولكنه لا يُعبر عنه، كما أننا مع أي مواجهة للإرهاب الإسرائيلي وأي خطاب ديني متطرف، إسلامي أو حتى يهودي، لأنه لا يُعبر عن حقيقة الدين ولكنه يُعبر عن تطرف صاحبه.
المقلق أنّ إسرائيل تقوم بالتصعيد في غزة من خلال قتل العزل من أبناء الشعب الفلسطيني يوميًا، تقتلهم بطريقة مذلة عندما يسعون إلى محاولة الحصول على المساعدات الإنسانية.
بات الشعب الفلسطيني لا يجد المساعدات الإغاثية، وعندما يسعى للحصول عليها يُقتل بدم بارد، تأتيه المساعدات بوابل من الرصاص حيث تخترق أمعاءهم الخاوية.
إسرائيل تُحاول أنّ تُعاقب الشعب الفلسطيني على اختياراته، تُريد أنّ تستهدف حركة حماس في البيئة الفلسطينية، والحقيقة أنّ سلوك إسرائيل يُرسخ لشعبية حماس، ليس هذا وفقط وإنما لكل جماعات العنف والتطرف.
خطاب التنظيمات الإسلاموية المتطرفة سوف يكون مقبولًا مع الوقت في منطقة الشرق الأوسط، كما أنّ خطاب حماس يزداد شعبية في البيئة الفلسطينية، فلا يوجد أمام الفلسطينيين أي بدائل غير تأييد حماس رغم ما حدث بعد 7 أكتوبر عام 2023، وبسبب ما تقوم به آلة الحرب الإسرائيلية.
الحديث عن الإرهاب المحتمل بعد اجتياح غزة أو استمرار التصعيد الإسرائيلي عليها لا يشمل حركات المقاومة، فحماس وأخواتها رغم اختلافنا معها إلا أننا نراها حركات مقاومة، وحديثنا يُركز على انتشار جماعات العنف والتطرف، فخطابها بات صوته الأعلى والأكثر تأثيرًا، وهي ما نختلف معها بصورة كليّة.
خطورة تغيير خريطة الشرق الأوسط من قبل إسرائيل يبدو في زاوية انتشار جماعات العنف والتطرف؛ فالبيئة باتت حاضنة لهذا الخطاب بسبب الممارسات الإسرائيلية في غزة والمنطقة بأكملها.